خصلات شعر بيضاء تسللت لغرتها، تأملتها برضا وهى تتفرس وجهها الصبوح بالمرآة، كانت تعلم أنها كأمها تحمل قلبًا ضعيفًا لا يحتمل النوائب، لكن هذه المرة كانت رجفة خفية تجتاح جسدها الندى، طرقات بصدرها لا تعلم مصدرها، وتعرق خفيف بارد صاحب سيل الأفكار المنهمرة.من لى بعمر كالذى مضى لأعيشه بطريقتي؟تحتسى من كوب الاحتفال بالمشيب المبكر.. تتلذذ بمرارة عابرة تتركها القهوة فى حلقها.. يسرى خدر مفاجئ.. حالة لم تألفها من قبل سيطرت على أيامها المقبلة.. وهى من أدمنت مراقبة الحياة من شرفة عالية حذرة.. كان التورط فى الحياة يربكها ويغريها بفرح تخشى عواقبه.منذ طفولتها انطفأت نواميس السعادة بأول عراك شاهدته بين والديها.. انهمكت فى حياة بديلة مرسومة بعناية تضمن سلامة قلبها الهش من موجات أحزان جديدة.. ولا تنسى يوم قالت: وماذا تعنى تلك المسرات فى محادثات البنات وقصصهن، أو حتى انتظار مسلسل المساء؟!الخواء يطيح بكل ما يلقاه أمامه فتطير معه أوراق العمر تترى بلا حساب..متى تسرب شعاع النور من النافذة الخلفية للقلب؟ لا أحد يتذكر..آخر مرة ضبطت نفسها وهى منفعلة بشدة حد البكاء مع قصة إحدى الزميلات وقد تركت من نوى خطبتها، والتقت جارتها فنسيتا أنهما على سلالم البناية واسترسلا فى الضحك والذكريات.. وكانت هديتها لصديقتها الحميمة التى تركتها بإرادتها إشارة بانهيار سدود العزلة، وبلمسة واحدة من كفها عاد وصل قديم لا تصدق أن أثره سيبدو على مشيتها فى الطريق..لم يكن زوجها يمتلك هذا المفتاح العجيب.. بل لربما استمتع بعزلتها التى لا تزيد حياته ضجيجًا.. ولربما وسط لهوه البريء، سحبها ابنها ذو الثلاثة أعوام لحديقة الطفولة التى فتحت أمامها بوابة الحياة.. حياة متدفقة كان القطار يجرى فتمر حوله شريط ملون بلا تفاصيل..ولطالما أحبت طيلة حياتها كتل السحاب البيضاء المتناثرة فى بحر السماء والتى تليق بوحدتها، لكنها مع ذلك لم تتذكر متى تحديدًا أصبح لمعان النجوم ليلًا يشغلها أو أسراب الحمام والطيور، وهى تحوم فى الفضاء وتتحلق وتعود للأعشاش.. كانت الدموع تبلل راحتها وهى ترشف ينابيع تفجرت من كتف أمها.. وهى التى لم تفكر يومًا فى نقرها!!على عجل أمسكت القلم بينما انتهت آخر رشفة من الفنجان وتوقفت الرجفة، وانفرجت أساريرها عن ضحكة خفيفة.
مشاركة :