رفع خدمة أساتذة الجامعات لسنّ 75 يضر بالجامعات ويؤثر سلبا على سوية التعليم العالي...كما هو معلوم بأن سن الستين هو العمر المعتمد لأغراض التقاعد في معظم الأجهزة الحكومية والعامة في الأردن ،وهذا العمر أي عمر الستين لم يأتي جزافا أو عشوائيا بل جاء بناءا على ما استقرت عليه معظم أنظمة العمل والتقاعد المدني في العالم بشقيه العام والخاص. صحيح أن ارتفاع المستوى الصحي والمعيشي للناس قد زاد من التحسن في أوضاعهم الصحية، كما رفع من المعدل والمستوى العام الحياة للأفراد ، وأطال في أعمارهم إلا أن ذلك يصعب اتخاذه قاعدة وأساسا لرفع سن التقاعد آخذين بالاعتبار ارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب ، ناهيك عن حاجة وحق الأفراد للتمتع بما تبقى لهم من سنوات قليلة في الحياة بعد سن الستين ، إضافة إلى أن طاقات الكثيرين ممن تجاوزوا هذا السن تكون قد استنفذت وكثير منهم يبدأوون بالمعاناة من أمراض مزمنة تحد من قدراتهم على العمل والتركيز واتخاذ القرارات.انطلاقا من قلة حملة الشهادات العليا من خريجين جامعات معتبرة بمستوياتها العلمية والتعليمة، فقد أتاحت أنظمة الجامعات الأردنية لأعضاء الهيئة التدريسية فيها بالاستمرار بالعمل لغاية سن السبعين .وإن كان لهذه الميزة أو الاستثناء في حينه ما يبرره من عدم قدرة هذه الجامعات على تغطية تكاليف الإحلال (Retention rate)والمحافظة على أعضاء كوادر تدريسية بسوية عالية فإن زيادة هذه المدة إلى سن الخامسة والسبعين وبشكل مفتوح كما جاء في البند "د" من المادة "21" من قانون الجامعات الأردنية رقم"18" لعام 2018 ربما لا يخدم الجامعات ولا يرفع من سوية التعليم العالي في الأردن وذلك للأسباب التالية:1- أن الأوضاع الصحية لمعظم أعضاء الهيئة التدريسية بعد سن السبعين تبدأ بالتراجع السريع ،لا بل فإن بعض المدرسين تبدأ المعاناة الصحية قبل سن السبعين حيث تبدأ قدراتهم في التراجع كما تلمس انخفاضا ملحوظا في مستوى طاقاتهم الجسدية وأحيانا الذهنية وتبدأ علامات النسيان وضعف التركيز وفقدان الدافعية وبوادر أمراض السكري والضغط وضعف السمع تظهر عليهم بشكل جلي. تجربة الجامعة الأردنية في هذا المضمار قبل عقد ونيف من زمن لم تسجل نجاحا ملموسا لا بل فقد كانت من أكثر التجارب إخفاقا إذ أن رئيس الجامعة آنذاك أراد حسب اعتقاده أن يعيد للجامعة ألقها عن طريق إعادة تعيين أساتذتها الكبار القدماء الذين كان لهم بصمات في تاريخ الجامعة .والحقيقة أن هؤلاء الأساتذة الكبار لم يكن معظمهم يستطيع إكمال محاضرته لأسباب صحية كما أن بعضهم كان يدخل على محاضرة ويشرع بتدريس محتويات مادة أخرى. من جانب آخر فإن تجربة تجربة جامعة العلوم الإسلامية العالمية وغيرها من الجامعات في هذا المجال لم تكن أفضل حالا حيث اضطرت مثل هذه الجامعات إلى التوقف عن تعيين ممن بلغ سن السبعين وذلك بناءا على معلومات راجعة عن مستوى الأداء وملاحظات أخرى تتعلق بسوية العملية التعليمية.2- إن استمرار أداء أعضاء الهيئة التدريسية لسن الخامسة والسبعين لن يتيح للجامعات تجديد دماء كوادر التدريس فيها وضخ دماء جديدة من الشباب المؤهلين الذين اطلعوا على أحدث ما وصل إليه العلم والتكنولوجيا. إن السماح لأعضاء هيئة التدريس ممن بلغوا سن السبعين الاستمرار في الخدمة يعني أن كثير من هؤلاء المدرسين مضى على تخرجهم ما بين 35-45 عاما وهذا يعني أن معلومات ومهارات الكثير منهم ستميل إلى التقادم لا بل فإن بعضهم ممن أتيح لي الإطلاع على أدائهم أصبحوا يعلمون طلبتهم أشياء أكل الدهر عليها وشرب وأصبحوا يدرسون الجانب التاريخي في علومهم بدلا من ملامستهم للمستجدات والتطورات الحديثة . كثير من المدرسين ممن وصلوا إلى رتبة الأستاذية لم يكتبوا بحوثا أو يحضروا مؤتمرات لمسايرة المستجدات في علومهم وتخصصاتهم.3- التجديد في الجامعات والخطط الدراسية وأعضاء هيئة التدريس قضية محورية في تقدم الجامعات ونعتقد أن زيادة السن المسموح به للعمل في الجامعات إلى 75 سيحرم الجامعات من القدرة على التجديد والتطور والدافعية لتحقيق معدلات نوعية أفضل في مجال البحوث والتدريس وخدمة المجتمع.بمعنى آخر ستميل جامعاتنا إلى أن تصبح أقل شبابا وأكثر كهولة وتدريسها نمطي ولنتصور كيف يمكن أن تكون دافعية عضو هيئة التدريس الذي مضى على خدمته 35-45 عاما إلى استخدام أساليب جديدة ونماذج تعليمية وأمثلة عصرية وواقعية!!!4- إن الكلفة المالية التي تترتب على الجامعات نتيجة لتديد خدمة أعضاء الهيئة التدريسية لسن 75 باهظة جدا وخصوصا بأن ذلك سيرتب على الجامعة دفع راتب سنة إضافية لأغراض التفرغ العلمي وزيادة كبيرة في مستحقات مكافأة نهاية الخدمة تبلغ أكثر25% .إن الأوضاع المالية للجامعات الأردنية الرسمية صعبه حيث يرزح معظمها تحت المديونية والعجوزات في موازنتها وإن إضافة أعباء جديدة في ضوء التمديد للمدرسين لسن75 سيزيد الأمور سوءا وسيفاقم من الأزمات المالية التي تواجههانعتقد أنه بات من الضروري أن يتم إعادة النظر في هذا القانون وإلغاء هذا البند أو على الأقل وضع كثير من الضوابط والمتطلبات لتمديد خدمة عضو هيئة التدريس لسن 75 وأن لا يتكون الاستمرارية بشكل مفتوح كما ورد في قانون الجامعات الأردنية. فبالإضافة إلى اشتراط التمديد بوجود تقارير صحية تقيم قدرة وإمكانات المدرس الجسدية والذهنية على التدريس، فإن هناك ضرورة ملحة لربط الاستمرارية لسن 75 بمدى الحاجة لخدمات المدرس في تخصصه، واستمرارية إنتاجه البحثي،وسوية أدائه التدريسي. نأمل بأن يقوم وزير التعليم العالي والبحث العلمي بمراجعة هذا الجانب من قانون الجامعات الأردنية واتخاذ ما يلزم من إجراءات رسمية لتقديم مقترح لمجلس النواب لتعديله .
مشاركة :