كما هو معلوم بأن سن الستين هو العمر المعتمد لأغراض التقاعد في معظم الأجهزة الحكومية والعامة في الأردن ،وهذا العمر أي عمر الستين لم يأتي جزافا أو عشوائيا بل جاء بناءا على ما استقرت عليه معظم أنظمة العمل والتقاعد المدني في العالم بشقيه العام والخاص. صحيح أن ارتفاع المستوى الصحي والمعيشي للناس قد زاد من التحسن في أوضاعهم الصحية، كما رفع من المعدل والمستوى العام الحياة للأفراد ، وأطال في أعمارهم إلا أن ذلك يصعب اتخاذه قاعدة وأساسا لرفع سن التقاعد آخذين بالاعتبار ارتفاع معدلات البطالة في أوساط الشباب ، ناهيك عن حاجة وحق الأفراد للتمتع بما تبقى لهم من سنوات قليلة في الحياة بعد سن الستين ، إضافة إلى أن طاقات الكثيرين ممن تجاوزوا هذا السن تكون قد استنفذت وكثير منهم يبدأوون بالمعاناة من أمراض مزمنة تحد من قدراتهم على العمل والتركيز واتخاذ القرارات.الجامعات الأردنية ،وانطلاقا من قلة حملة الشهادات العليا من خريجين جامعات معتبرة بمستوياتها العلمية والتعلمية، فقد أتاحت أنظمتها لأعضاء الهيئة التدريسية بالاستمرار بالعمل لغاية سن السبعين.وإن كان لهذه الميزة أو الاستثناء في حينه ما يبرره من عدم قدرة هذه الجامعات على تغطية تكاليف الإحلال والاحتفاظ (Retention rate) بأعضاء هيئة تدريس بسوية عالية فإن زيادة هذه المدة إلى سن الخامسة والسبعين وبشكل مفتوح كما تضمن القانون المعدل للجامعات الأردنية ربما لا يخدم الجامعات ولا يرفع من سوية التعليم العالي في الأردن وذلك للأسباب التالية:1- أن الأوضاع الصحية لمعظم أعضاء الهيئة التدريسية بعد سن السبعين تبدأ بالتراجع السريع ،لا بل فإن بعض المدرسين تبدأ معاناتهم الصحية قبل سن السبعين حيث تبدأ قدراتهم في التراجع كما تلمس انخفاض ملحوظ في مستوى طاقاتهم الجسدية وأحيانا الذهنية وتبدأ علامات النسيان وضعف التركيز وفقدان الدافعية وبوادر أمراض السكري والضغط والبروستاتا وضعف السمع والبصر تظهر عليهم بشكل جلي. تجربة الجامعة الأردنية في هذا المضمار قبل عقد ونيف من الزمن لم تسجل نجاحا ملموسا لا بل فقد كانت من أكثر التجارب إخفاقا إذ أن رئيس الجامعة آنذاك أراد حسب اعتقاده أن يعيد للجامعة ألقها عن طريق إعادة تعيين أساتذتها الكبار القدماء الذين كان لهم بصمات في تاريخ الجامعة .والحقيقة أن هؤلاء الأساتذة الكبار لم يكن معظمهم يستطيع إكمال محاضرته لأسباب صحية كما أن بعضهم كان يدخل على محاضرة ويشرع بتدريس محتويات مادة أخرى. من جانب آخر فإن تجربة جامعة العلوم الإسلامية كانت أكثر فشلا وإخفاقا حيث اضطرت إدارات الجامعة المتعاقبة إلى التوقف عن تعيين ممن بلغ سن السبعين وذلك بناءا على معلومات راجعة عن مستويات الأداء وملاحظات أخرى تتعلق بسوية العملية التعليمية.2- أن استمرار أداء أعضاء الهيئة التدريسية لسن الخامسة والسبعين لن يتيح للجامعات تجديد دماء كوادر التدريس فيها وضخ دماء جديدة من الشباب المؤهلين الذين اطلعوا على أحدث ما وصل إليه العلم والتكنولوجيا. إن زيادة السن المسموح به لأعضاء هيئة التدريس الاستمرار في الخدمة يعني أن كثير من هؤلاء المدرسين مضى على تخرجهم ما بين 35-40 عاما وهذا يعني أن معلومات ومهارات الكثير منهم ستميل إلى التقادم ،لا بل فإن بعضهم ممن أتيح لي الإطلاع على أدائهم أصبحوا يعلمون طلبتهم أشياء أكل الدهر عليها وشرب وأصبحوا يدرسون الجانب التاريخي في علومهم بدلا من ملامستهم للمستجدات والتطورات الحديثة . كثير من المدرسين ممن وصلوا إلى رتبة الأستاذية لم يكتبوا بحوثا أو يحضروا مؤتمرات لمسايرة المستجدات في علومهم وتخصصاصتهم. 3- التجديد في الجامعات والخطط الدراسية وأعضاء هيئة التدريس قضية محورية في تقدم الجامعات ونعتقد أن زيادة السن المسموح به للعمل في الجامعات إلى 75 سيحرم الجامعات من القدرة على التجديد والتطور والدافعية لتحقيق معدلات نوعية أفضل في مجال البحوث والتدريس وخدمة المجتمع.بمعنى آخر ستميل جامعاتنا إلى أن تصبح أقل شبابا وأكثر كهولة وتدريسها نمطي ولنتصوركيف يمكن أن تكون دافعية عضو هيئة التدريس الذي مضى على خدمته 35 عاما إلى استخدام أساليب جديدة ونماذج تعليمية وأمثلة عصرية وواقعية!!!نعتقد أنه على وزير التعليم العالي والبحث العلمي أن يبذل قصارى جهده لإعادة النظر بقانون الجامعات الأردنية وتعديلاته الحديثة جدا الذي أتاح استمرار خدمة أعضاء هيئة التدريس لسن الخامسة والسبعون وبشكل شبه مفتوح. ونحن نعتقد بأنه متاح للجامعات استقطاب أو الاحتفاظ ببعض أعضاء الهيئة التدريسية ممن يشهد لهم بالأداء المتميز والملائمة الصحية بشكل انتقائي عن طريق ما اصطلح على تسميته "أساتذه الشرف" أو أي اسلوب يساعد على الاختيار الانتقائي وحسب حاجات الجامعة والتاريخ الوظيفي والتعليمي للمدرس.نعتقد بأن على الجامعات الأردنية أن تركز على الإبتعاث لغايات الدراسات العليا في الجامعات العالمية المرموقة من أجل عمليات الإحلال الفعالة في كوادرها التدريسية، وضخ دماء جديدة متقدة الحماس ومسلحة بأحدث ما وصل له العلم من تطورات.وإذا كان الأمر يتعلق بكلفة الإبتعاث فإننا نؤكد هنا أن الكلفة المالية الإجمالية للاحتفاظ بأعضاء هيئة التدريس فيها لخمسة سنوات إضافية بعد سن 70 تساوي أو هي أعلى من كلفة الإبتعاث للطلبة الذين سيمضون 30 عاما أو أكثر في خدمة الجامعات.ندرك صعوبة ما نطلبه من وزير التعليم العالي الذي لم يمضي شهر على تعيينه في موقعه ،وندرك تمام الإدراك القوى المستفيدة التي ستدفع بالتأكيد ضد إعادة النظر بهذا القانون ،ولكنا ما زلنا نراهن على قدرة وحرص الدكتور محي الدين توق على سلامة جامعاتنا ومؤسسات التعليم العالي الذي استثمر فيها الأردن والأردنيون الكثير من الجهد والمال فهل من مدكر .....
مشاركة :