ويتساءل: أين نحن من مراجعة حساباتنا قبل يوم الحساب؟ في خطبته ليوم الجمعة بجامع الخالد بالمنامة أمس تحدث فضيلة الشيخ عبدالله بن سالم المناعي عن الاستعداد لشهر رمضان المبارك متسائلا: أين نحن من مراجعة حساباتنا قبل يوم الحساب؟ فقال: اتقوا الله عباد الله، وتفكروا في سرعة مرور الليالي والأيام، وأن الدنيا دار ممر وزوال، واعلموا أن أيامكم في الدنيا معدودة، وصحائفكم يوم القيامة بأعمالكم منشورة، فبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن يتخطفكم الموت فتندمون، ويوم القيامة تتحسرون: «يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» [الشعراء: 89]. فهل ينظر الناس بعين الاعتبار قبل مفارقة الدنيا وملاقاة الله يوم العرض والجزاء، إننا نحتاج إلى مراجعة أوراقنا وحساباتنا قبل أن نترك هذه الدنيا ما دام في العمر بقية، قال عمر رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية). فأين نحن من هذا الكلام؟ وأين نحن من مراجعة حساباتنا قبل يوم الحساب؟ إننا نحتاج إلى وقفات لكي نستيقظ من سُبات الغفلة ونسير في طريق المحسنين الذين قدموا لأنفسهم الزاد، وعملوا ليوم تشيب فيه الرؤوس والولدان. ها نحن نعيش من أيام شعبان الذي جعله الله مدرسة الأخلاق والصيام والقرآن والتوبة والغفران، فبادروا عباد الله بالتوبة والإنابة إلى الله واغتنموا هذا الشهر (شهر شعبان) الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: شهر شعبان يغفل عنه كثير من الناس، وكان الحبيب عليه الصلاة والسلام يصوم شعبان حتى قيل إنه يصومه كاملا. إن بعض الناس إذا اقبل شهر رمضان يتعبدون، فيحافظون فيه على الصلوات في المساجد، ويكثرون من البذل والإحسان وتلاوة القرآن، فإذا انتهى رمضان تكاسلوا عن الطاعات، وبخلوا بما كانوا يبذلون من الصدقات، وعادوا إلى ما كانوا عليه قبل رمضان، ولم يعلم هؤلاء أن تكفير رمضان وغيره للسيئات مقيد باجتناب الكبائر، قال تعالى: «إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ» [النساء: 31]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) رواه مسلم. وأي كبيرة بعد الشرك أعظم من إضاعة الصلاة؟ وهذا ما يقع فيه بعض الناس بعد رمضان إلا من رحم ربي. إن اجتهاد بعض الناس في رمضان لا ينفع شيئًا عند الله إذا أُتبع بترك الواجبات والوقوع في المعاصي والسيئات. وقد سُئل بعض السلف عن قوم يجتهدون في شهر رمضان فإذا انقضى ضيعوا وأساءوا، فقال: (بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان)، لأن من عرف الله خافه في كل زمان ومكان. أما المؤمنون الصادقون المحبون لربهم فيفرحون بقدوم شهر رمضان لأنهم يرجون أجره وثوابه من الله، ويتبعون ذلك أيضًا بلزوم العبادة تلو العبادة، قال تعالى: «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ المِيثَاقَ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ» [الرعد: 20- 22]، فهؤلاء يحرصون على صيام القضاء، وصيام الإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وقد بشر الله المتقين العاملين بقوله: «ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» [النحل: 32]. لقد مرت من أعمارنا سنة كاملة كان معنا بالأمس أناس صاموا معنا وقد حيل بينهم وبين العمل وغلقت منهم الرهون وهم الآن تحت التراب يرحمهم الله، روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (ما من ميت يموت إلا ندم، إن كان محسنا ندم ألا يكون ازداد وإن كان مسيئا ندم ألا يكون استعتب)، إذا كان المحسن يندم على ترك الزيادة فكيف يكون حال المسيء؟! نسأل الله العافية. فاستعدوا يا عباد الله وتهيئوا واستقبلوا شهركم الكريم، فمن حسنت خاتمة عمله فاز بالرضا والرضوان والنعيم المقيم في الجنان، أما من فرّط وضيع ساءت خاتمة عمله فنال الخسران المبين والعذاب الأليم. فالبدار البدار عباد الله بالأعمال الصالحة قبل أن يتخطفكم المنون، واحرصوا على العمل ولو كان قليلاً لكي تفلحوا وتنجحوا، فرسولكم صلى الله عليه وسلم يقول: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) متفق عليه. إلى أصحاب الأعذار، كالمريض والمسافر، والحائض والنفساء، وغيرهم، فينبغي في حقهم قضاء الأيام التي أفطروها قبل دخول شهر رمضان، لأن قضاء أيام رمضان يكون في ذمتهم وهم محاسبون عليها، أما التطوع فمن صام أُجر، ومن لم يصم لم يأثم. وقضاء رمضان يحتاج من أراد صيامه إلى أن يبيت النية من الليل، ويكفيه أن يقوم ليتسحر ولو على شربة ماء ناويًا القضاء. ولا يجوز لمن دخل في صيام القضاء أن يفطر إلا من عذر كسفر أو مرض لأن بعض الناس يتساهل في ذلك ويحسب أنه لا حرج عليه.
مشاركة :