تأكد قبل أن يصدقك عقلك الباطن - د.أنوار عبد الله أبو خالد

  • 10/11/2013
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

لسبب ما فكّر صاحبنا في ليلة سوداء ان يحسب عمره، ولكن حاسبته العقلية خانته ولم تعطه الرقم بدقة، فزادته فوق عمره عشرة اعوام كاملة، ولأن صاحبنا كان مشغول الذهن بتحصيل لقمة العيش، وتدبير امر المعاش والمعاد، فقط اضطر لتصديق هذه الحسبة رغم انصعاقه وانصدامه بها، ولكنه رضخ للامر الواقع واقتنع انه بعد سنة سوف يبلغ الخمسين من عمره ! وتسير الايام وتتعاقب الليالي ولا يزال صاحبنا يتحسر على خمسين سنة مضت من عمره فلتت منه دون ان يحس بها، ومرقت من بين يديه دون ان يشعر بها، فلم يستمتع بشبابه كما ينبغي فكابد عناء العيش ومره، وانشغل ببناء المستقبل دون التمتع بالحاضر الزاهر بربيع العمر، ومازال صاحبنا يفكر كل يوم كيف وصل الى الخمسين سريعا، وكيف بدأت مفاصله تؤلمه وتساقط شعره وابيَضّ، واصبح بطيء الحركة ملازما للفراش، واصبح يتأثر سريعا بلفحات البرد، وما عادت عضلاته تحتمل التمارين او التريض، واصبح كثير النسيان ومشغول الذهن بغير ما شغل حقيقي ! ولأن كل ما تكرر تقرر، فقد اقتنع عقله الباطن بأنه رجل خمسيني وانه ما عاد صغيرا، فشابت النفس قبل الجسم، رغم ان صاحبنا مازال في الاربعين وهي قمة شباب الانسان في القوة والشدة والفكر والعطاء، فكيف انخدعت نفسه وكيف صدق جسمه هذه القناعة المكذوبة فعجز وشاب وتعب وانهك؟! مرت سنتان قبل ان يقرر صاحبنا السفر الى الخارج، ولانه هو الذي تولى تعبئة الاوراق فأجاب عن الاسئلة وكتب الاجابة بخط يده، فقد اكتشف بالصدفة البحتة ان عمره واحد واربعون عاما فقط، فاستعجب كثيرا كيف فاتت عليه سنتان من عمره وهو يمثل فيها على نفسه دور العجوز الخمسيني، كيف صدق هذا وكيف اقتنعت نفسه بذلك وكيف تكيف الجسم وتماهى مع هذه القناعات الخاطئة، كيف شاب الشعر سريعا وتساقطت شعرات مقدمة الرأس، وكيف ترهل جسمه وضعفت قوته وشاخت شخصيته وعجزت نفسه؟ والعجيب كيفية استجابة الجسم بهذه التلقائية السريعة .. والاعجب من هذا ان شعر صاحبنا عاد ليصطبغ بالسواد من جديد الا قليلا بعد مرور اشهر من معرفته بعمره الحقيقي، وعادت اليه حيويته وقوته وتفاؤله وروحه، ونسي تلك الامراض التي كانت تلاحقه بسبب مناعته التي ضعفت بالايحاءات المحبطة.. انتهت قصة صاحبنا، ولكن قصتنا نحن لم تنته فكم منا من كذب على نفسه وكرر الكذبة حتى صدقها دون ان يعلم، وكم نعيش على مفاهيم ومخاوف زرعناها بايدينا داخل نفوسنا فاثمرت واينعت ثمر الخطأ والخوف، فمتى ننتبه الى عقلنا الباطن ونحييه بالقرآن والتفاؤل والنظرة الجميلة للحياة بعيدا عن الاحباط والسوداويات المقيتة، وعلى دروب الخير نلتقي ..

مشاركة :