تربية النفس أولاً ثم الأبناء بسياسة المنع والحرمان الاختياري أو الحرمان القسري، من أنواع التربية الناجحة التي أثبتت التجربة نجاعتها في التعليم والتأديب والتربية، ولا أريد هنا أن أتكلم عن موضوع تربوي تنظيري، بقدر ما أشير هنا إلى أننا نحتاج نحن الكبار إلى تربية نفوسنا بالحرمان من بعض المباحات، حتى لا تتعود النفس على إنها لا تشتري كل ماتشتهي ولا تأكل كل ما يسيل لعابها، ولا تنجرف مع كل تيار بحجة أنها تقدر أو بحجة أنها تملك، لا بد أن تعرف النفس أنها يمكن أن نوقفها عند حدها متى ما أردنا، وإننا نحن من يتحكم بها وليست هي من تسحبنا وراءها، لابد أن تروض النفس على إنها ليست هي الآمرة الناهية، وإنما هناك اعتبارات عقلية ومنطقية مقدمة عليها، فضلاً عن الاعتبارات الشرعية التي تحكم على الجميع دون أدنى شك، فهل تفهم نفسك هذا الأمر وتلتزمه، ربما جربتها مع الواجب الشرعي كالقيام لصلاة الفجر، أو جربتها مع الامتناع عن المحرم الشرعي كشرب المسكر، ولكن هل جربت أن تمنع نفسك وتحرمها من المباحات بغرض الترويض لها، هل جربت أن تمنعها من شراء طعام العشاء وأن تطوي الليل بدون عشاء ولو مرة بالسنة، هل جربت أن تشتهي الحلوى التي اشتريتها فتقوم بالتصدق بها أو إهدائها وتشرب بدلا منها ماء زلالا، هل جربت أن تكون في السوق وتقعين أو تقع في أسر حب قميص نادر أو نعل فاتن أو ربما أثاث مناسب تحتاجه، فتتركه وأنت قادر عليه لا لشيء إلا لأجل ترويض النفس؟.. قد يكون الأمر صعباً أو شديداً لكنه مع الوقت يسهل عليك وسوف ترى نفسك طوع بنانك، ألست ترى كيف تحرمك الصلاة من الكلام والطعام، ألست ترى كذلك أنك تحرم في رمضان من الطعام والشراب وممارسة الحياة الزوجية في النهار، ألا يدلك هذا على بعض المقاصد التربوية لهذه الشريعة الغراء؟ رغم أني لم أحاول استقصاء هذا الأمر. حاول أن تجرب أن تسوس نفسك بالحرمان تارة والتقليل تارة، جربها وسوف تعرف لماذا كنت لا تستطيع أن تقلع عن بعض العادات السيئة من تدخين وشراهة في الأكل، ولماذا لا تستطيع أن تتوقف عن الكذب والغيبة، وسوف تعرف حينها كيف تضبط انفعالاتك وتتحكم في نزواتك لأنك استطعت أن تروض نفسك التي استطاعت أن تخدعك وترتبط في ذهنك مع عقلك الواعي الرشيد حتى ظننت واهماً أنهما واحد.. وعلى دروب الخير نلتقي .
مشاركة :