وهج الكتابة: شاعرٌ قتلتهُ امرأة

  • 5/26/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

هل صدق أُولئك الذين ينعتون الشعراءَ بالجنون أو أنهم مصابون بلوثة عقلية وخاصة المبدعين الحقيقيين أصحاب النصوص الفائقة الجمال، أو أنهم يتعاملون مع قوى خفية أو تتلبسهم حالات غريبة ويكتبون أشياء غريبة. وهل الجنون الذي أودى بعقل الشاعر السوداني ادريس جماع (1922-1980) كان سببه الشعر أم الحب أم النساء، هذا الجنون الذي تركه يقضي زمنًا في مستشفى للأمراض النفسية. هذا الشاعر المبدع الذي لم ينل حظًا من الشهرة خارج السودان بما يليق بمستوى اشعاره المكتوبة بلغة راقية فريدة وبجمال منقطع النظير. طاقة شعرية قوية مثل موج البحر نستهُ أو تناستهُ الساحة الثقافية وأقلام النقاد. ومن أجمل ما كتبه الشاعر في الحب، وتحوّل إلى أغنية مشهورة في السودان: أعَلى الجمال تغار منا ماذا علينا إذ نظرنا هي نظرة تنسي الوقار وتسعد الروح المعنى دنياي أنت وفرحتي ومنى الفؤاد إذا تمنى أنت السماء بدت لنا واستعصمت بالبعد عنا ويقال إنه عندما قرأها أو سمعها الأديب المصري الكبير عباس محمود العقاد، أعجب بها إعجابًا شديدًا وراقت له فسأل عن كاتبها فأخبروه بأنه في مستشفى الأمراض النفسية قال بثقة: «هذا مكانه فهذا الكلام لا يكتبه بهذا المستوى من هم من ذوي الفكر واليقظة». إذن على رأي العقاد -ايضًا- هناك شعرة سحرية بين الشعر والجنون وربما الإبداع والجنون. هذا الشاعر عاش حياة تعيسة وبائسة وغير مستقرة بسبب نزاهته وإنسانيته المفرطة. ظُلم في حياته وبعد مماته حيث كان مرهف الحس فياض القلب، مثالي الطيبة والخصال، ما جعله أضحوكة لمن لم يعرفه. هناك شعراء يولدون والحزن يولدُ معهم متشبثًا بأرديتهم وأرواحهم. غربة وجودية، ربما هي من وقود الخلق والإبداع. إن حظي كدقيق فوق شوكٍ نثروهُ ثم قالوا لِحُفاةٍ يومَ ريحٍ اجمعوهُ عَظِم الأمرُ عليهم ثم قالوا اتركوهُ أن من أشقاهُ ربي كيف أنتم تُسعدوهُ كان مولعًا بالعشق، فتولّع بالنساء مثلما الحال مع معظم الشعراء، يتوقون ويحلمون بالعشق، حبًا في العشق لا المرأة ذاتها لكي يكتبوا أو يستمروا في الكتابة. يقولون وأنا لا أميل إلى تصديق ما يقولون بالضبط بأنه صُدم في عشق امرأة فأصيب بالجنون وظل هائمًا في الطرقات، شارد البال، يتغزل في أي امرأة جميلة تصادفه شعرًا: شاءَ الهوى أم شئتِ أنتِ فمضيتِ في صمتٍ مضيتِ أم هزّ غصنكِ طائرٌ غيري فطرتِ إليه طرتِ وتركتني شبحًا أمدّ إليك حبّي أين رحتِ؟ ربّما وأقول ربّما هذا الحب الفاشل أدخل هذا الشاعر الفائق الإبداع إلى عالم الجنون، ولكن بحسب قراءتي له أن ما أودى به إلى الجنون هو حساسيته المفرطة ورقة وفيض أحاسيسه ونقاؤه العميق وعدم فهم الآخرين له، ما جعله وحيدًا يحلمُ بامرأةٍ تحتويه، فالمرأة في نهاية المطاف صورة الأم وهي تنعكس دائمًا في أي امرأة ويرجو منها الحنان والحب. لكنه العشق، زاد الشعراء! Alqaed2@gmail.com

مشاركة :