قد يبكي المرء، وهذا حقه.. وقد يحزن، وهذا حقه.. لكن إياه وإياه ثم إياه أن ينكسر (كما قال جبران خليل جبران).. لقد كشف لنا مشوارنا الرياضي «أنانية» أشخاص عاشرناهم طويلاً وتعلمنا منهم لا إرادياً أنه لا يمكن أن نغيّر حياتنا ومبادئنا من أجلهم ولإرضائهم، بل غيّرنا مئات الرياضيين من أجل رياضتنا وأمانتنا ومبادئنا وكرامتنا وسمعتنا.. وعرفنا أن من خرج منهم من دائرتنا كان زائداً.. ومن بقي هو الأهم، تساقطت الأسماء عاماً بعد عام؛ بعضهم سقط من القلب، وآخرون من الذاكرة، وغيرهم سقط من العين.. وأدركنا حينها أن رياضة الكويت لن تتطور ببعض البشوت والهوامير والأسماء، بل بقيمة العمل والعطاء ومنسوب المواطنة الذي نشعر به لدى البعض.. نحن لا نزايد على أحد، بل شعرنا، ونشعر بأن بعض «الحيتان» يسعون إلى الحصول على مكاسب شخصية لا تعد ولا تنتهي لهذا البعض وساهم في غرس خنجر الأنانية في خاصرة الرياضة الكويتية عموماً. هناك كوابيس يمكن أن يستفيق منها المرء، وأخرى ليس لها نهاية. حتى وقتٍ قريبٍ كان الشارع الرياضي يعيش أزمة ثقة في قدرة الحكومة على إيقاف تغول أصحاب المصالح الشخصية على الرياضة الكويتية، بعدما تسلح هؤلاء بأصدقاء الخارج، مما ترك انطباعاً لدى العامة بضرورة الخضوع للرغبة الجامحة لمن يريد السيطرة على مفاصل الحركة الرياضية وتقديم فروض الولاء والطاعة حتى لا تتعرض رياضة الكويت للإيقاف. هذا الوهم، الذي نجح المتسلقون والمطبلون والمتنفعون ممن جمعتهم المصالح الشخصية مع أصحاب القرار، في تصديره لرجل الشارع «بات هشيماً تذروه الرياح»، بعدما اكتشف الخارج الحقيقة المرّة، وباتت الرياضة الكويتية قاب قوسين أو أدنى من الخروج من كابوس الإيقاف المؤلم بكثير من المكاسب والحقائق، أهمها على الإطلاق أن الحفاظ على المجد الشخصي عند البعض أهم بكثير من مصلحة الوطن.. وفي لعبة المصالح الشخصية كل شيء مباح لديهم، وبكل أسف! هيمنة.. «ومفيش حكومة» منذ زمن بدأت الأزمة الرياضية في الكويت بسبب إفرازات تكتلات الأندية وما أحدثه هذا الأمر من خلاف بين فريقين: الأول يتحدث عن ضرورة تولي الكفاءات وأصحاب الخبرة للمناصب الرياضية، والفريق الثاني يدافع بقوة عن مبدأ الأغلبية.. تطور الخلاف حتى عام 2007، عندما أصدر مجلس الأمة تشريعات رياضية جديدة صادقت عليها الحكومة وباتت رسمية، منها ما يحد من جمع المناصب ويقر 14 عضواً في اتحاد الكرة. ومشت الحكومة في سعيها لتقنين الهدر المالي غير المحمود في الرياضة، فانقلب البعض بمساندة بعض المنظمات الدولية على الحكومة عن طريق الرياضة لإثبات النفوذ.. وهكذا بدأ إدخال الرياضة في أنفاق مظلمة 12 سنة من أجل هيمنة «شديد عضل وسي السيد» وأعوانه على الرياضة.. لترفع مجموعة من بعض المماليك لافتة «من النهاردة مفيش حكومة في الرياضة.. احنا الحكومة الرياضية». وجاء شبح الإيقاف يطل بوجهه القبيح بعد طعنة في الظهر، فصدر القرار الحكومي بالعمل الجماعي المدروس بضرورة استعادة الرياضة المختطفة. رسوب ونجاح في البداية، فشلت المحاولات الحكومية في الوصول والتعامل مع المنظمات الدولية المغرر بها وفي إقناع الشريحة الأكبر من الشارع الرياضي بسلامة موقفها وصدق نواياها؛ بسبب عدم قدرتها على تبسيط الإجراءات لتصل إلى المواطنين بسلاسة، غير أن الفريق الحكومي الجديد، بقيادة الشيخ سلمان الحمود الصباح بعدما تم تكليفه مع الشيخ أحمد المنصور الصباح بهذا الملف، نجح في تقديم أداء مختلف في الشكل والمضمون، اعتمد في الأساس على ضرورة فتح قنوات اتصال مع الخارج لتوضيح الحقائق وتصحيح المعلومات المغلوطة التي كان يحاول البعض تزويد تلك المنظمات بها. قطع الفريق الحكومي شوطاً مهماً في مسيرة التصحيح قابله محاولات مستميتة لوضع العراقيل وإيهام الشارع الرياضي بعدم قدرة الحكومة على مواصلة المشوار، تحمل الحمود والمنصور الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية في سبيل الوصول للهدف المنشود وطالتهما سهام النقد والتجريح، وشحن بعض نواب مجلس الأمة ضد الوزير المعني للإطاحة به ورد الصاع له؛ فاستقال الشيخ سلمان. وجاء الاتفاق مع المنظمات الدولية على عدد من الشروط بمنزلة نقطة تحول في التعاطي الدولي مع ما تطلبه الكويت من حق مشروع في الحفاظ على سيادة قوانينها، ورغم ما شهدته تلك المرحلة من ترويج البعض لأكاذيب هدفها ترسيخ الاحباط في نفوس الجميع، فإنها تعتبر مرحلة فاصلة في تاريخ الرياضة الكويتية، تلك التي أقتحم خلالها عش الدبابير. تكتيك حكومي مختلف ومع اكتمال مهمة الحمود والمنصور وظهور لاعبين جدد في الساحة الحكومية يمتلكون مهارات وأدوات مختلفة أصبح الأمر أكثر إثارة وسرعة في الوصول للهدف المنشود، فعمل خالد الروضان الذي اسندت إليه المهمة كوزير مسؤول، إلى جانب الدكتور حمود فليطح الذي صدر مرسوم بتعيينه مديرا عاما لهيئة الرياضة بفكر جديد في ظل ما يمتلك من أدوات. اختلفت الاستراتيجية الحكومية في التعامل مع الأزمة الرياضية، سواء داخلياً أو خارجياً، ورسم حمود فليطح ملامح تلك الاستراتيجية بكل دقة ووضوح، فداخلياً كان القرار هو لم الشمل واقناع بعض الأندية التي لا تزال في منتصف الطريق بأن المصلحة العامة للكويت يجب أن تسمو فوق أي اعتبارات أخرى. ونجح فليطح في مبتغاه وتكوين قاعدة صلبة في الداخل انطلق منها لاقناع الخارج بأن الجمعيات العمومية ممثلة في الأندية هي من تمتلك زمام الأمور وتقود مسيرة الرياضة في الكويت، لذلك تجب إعادة النظر في عدد من الملفات والسياسات الخاصة بالعلاقة بين الداخل والخارج. لاعب جديد دفعت الحكومة بلاعب جديد هو الدكتور صقر الملا الذي عين نائبا لمدير عام الهيئة لشؤون الرياضة في وقت مفصلي بعدما أصبح الملا ملماً بملف أزمة الرياضة ولديه الكثير من الأفكار التي ساهمت في تغيير مفهوم التفاوض مع المنظمات الدولية، خاصة انه رياضي من أبناء نادي كاظمة، وخريج يحمل دكتوراه من الولايات المتحدة الأميركية؛ اي يجيد التحادث والمحاورة، خصوصاً في شؤون الرياضة وقوانينها. قدم الفريق الحكومي شهادة نجاحه بامتياز عندما أقنع تلك المنظمات بضرورة تشكيل لجنة سداسية تقوم بالإشراف والمتابعة مع الأندية على خريطة الطريق الخاصة بخروج الرياضة الكويتية من النفق المظلم. خطوات سريعة تلاها تجاوب غير مسبوق كانت كفيلة بقرب انقشاع غمامة الإيقاف الرياضي الذي قضى على مستقبل أجيال رياضية بسبب محاولات البعض احتكار الرياضة واختزالها في أشخاص غير معتبرين مما هو مخطوط على باب قصر السيف «لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك» بعدما سيطرت عليهم غريزة حب التملك. الآن اقتربت الرياضة الكويتية من الفصل الأخير عقب انتخابات اللجنة الأولمبية، وسيسدل الستار قريباً على حقبة من الزمن شهدت الكثير من التناقضات بين من يسعى لمصالحه الشخصية ومن يعمل للمصلحة العامة. لوطنه ولأهله وأسرته يولد الانسان لا لنفسه.. وعلى كل امرئ أن يساهم بجهده لأنه السبيل لتقدم الوطن. .. اخيراً، سينتصر من يؤمن بقدرته على الانتصار.. والنصر هنا ليس باباً سيفتح، انه اقتحام للصعاب. وفي الختام، مهامنا كصحافيين البحث عن الحقائق وذكر الأخطاء ومحاولة التذكير بها لإصلاحها، صحيح أننا في العشر الأواخر (تقبل الله طاعتكم.. ونحن معكم).. إنما للضرورة أحكام!! بوحمود
مشاركة :