السياسة والاستثمار العام «2 من 2»

  • 5/29/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

توصل تحليلنا، الذي أخذ في اعتباره آثار المتغيرات الأخرى ذات الصلة على الاستثمار، إلى أنه مع قرب الانتخابات تتباطأ وتيرة نسبة الاستثمار العام إلى إجمالي الناتج المحلي، يصاحبها تسارع طفيف في النفقات الجارية. على سبيل المثال، ينمو الاستثمار العام بنسبة 2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في العامين أو الثلاثة السابقة على الانتخابات، ولكن عندما تصبح الانتخابات وشيكة بعد 12 شهرا، فإن نموه لا يتباطأ فحسب، إنما يصبح سلبيا. ويلاحظ العكس فيما يتعلق بالاستهلاك العام. ويتسق هذا النمط مع العمل الذي أجراه علماء مختلفون مثل Rogoff 1990 وقد قالوا إن الحوافز الانتخابية قد تدفع أصحاب المناصب إلى تحويل الإنفاق العام نحو الاستهلاك الحكومي الأكثر وضوحا وبعيدا عن الاستثمار العام. ويؤكد تحليلنا الكمي أن وتيرة نمو الاستثمار العام تبدأ في التباطؤ قبل الانتخابات بنحو عامين. وبالفعل، فإن نسبة نمو الاستثمار العام إلى إجمالي الناتج المحلي تتراجع في كل سنة أقرب إلى الانتخابات التالية بمقدار 0.3 إلى 0.6 نقطة مئوية. وتصبح وتيرة الاستثمار العام أسرع خلال فترة تراوح بين عامين وأربعة أعوام قبل الانتخابات. ويبدو أن الحكومة عادة ما تنفذ معظم الاستثمار العام في بداية توليها السلطة وتحول الإنفاق بالتدريج نحو بنود أخرى مع اقتراب الانتخابات التالية. وتنطبق هذه النتائج سواء كان البلد المعني يقوم بضبط أوضاع المالية العامة أو بالتوسع المالي. لكن عند النظر في مجموعات مختلفة من البلدان، تظهر فروق طفيفة مثيرة للاهتمام فيما يتعلق بالطريقة التي قد تساعد من خلالها قوة مؤسسات المالية العامة على تخفيف آثار الانتخابات على دورات الاستثمار العام. على سبيل المثال، في الاقتصادات المتقدمة، التي لديها أنظمة ديمقراطية أقدم ومؤسسات أقوى نسبيا تضمن كفاءة التخطيط للاستثمارات العامة وتخصيصها وتنفيذها، يصل نمو الاستثمار العام ذروته بعد ذلك بكثير أثناء الدورة الانتخابية، ويتباطأ الاستثمار العام بدرجة أقل. ويمكن إرجاع ذلك إلى ثلاثة اعتبارات مترابطة: لأن عمليات الاستثمار العام أقوى في الاقتصادات المتقدمة، يكون احتمال التلاعب بها محدودا مقارنة بمجموعات البلدان الأخرى؛ ففي الأنظمة الديمقراطية الناضجة تتسم عمليات صنع السياسات بقدر أكبر من الشفافية، وغالبا ما يتجه جمهور الناخبين إلى معاقبة أصحاب المناصب على التلاعب بالإنفاق؛ ولا تحتاج الحكومات وقت شغل مناصبها إلى إصدار إشارة على كفاءتها عن طريق تنويع الإنفاق على الاستثمار العام لأن لديها من الوسائل الأخرى ما يتيح لها ذلك، مثل فعالية التواصل حول سياسة المالية العامة، وكفاءة السياسات الضريبية وتنفيذ المشاريع. لقد ركزنا حتى الآن على قرارات الاستثمار قصير الأجل. فهل تقف العوامل السياسية نفسها وراء طفرات الاستثمار التي تستمر لسنوات متعددة وعلى امتداد أفق زمني أطول؟ عادة ما يكون الإنفاق على الاستثمار متعدد السنوات وناتجا من استراتيجيات طويلة الأجل لتوسيع الطاقة الإنتاجية للاقتصادات. الحكومات تستثمر في رأس المال العام لعدة سنوات ــ مثل مشروع للطرق السريعة يستغرق استكماله عدة سنوات. ويتوقع أن تكون طفرات الاستثمار متعددة السنوات أقل تأثرا بالاعتبارات الانتخابية، لأنها تستمر لفترات أطول من الفترة المعتادة للحكومة في منصبها التي تراوح بين أربع وخمس سنوات. على سبيل المثال، خلال الفترة بين 1980 و2012، شهدت الولايات المتحدة ثلاث فترات من الزيادة المستمرة في الاستثمار العام، بلغت مجتمعة 18 عاما. فبدأت أول فترة في الفترة الأخيرة من إدارة جيمي كارتر الديمقراطية في أواخر السبعينيات واستمرت لنحو ثماني سنوات حتى رئاسة رونالد ريجان الجمهوري. وتزامنت الفترة الثانية مع المدة الثانية لحكم بيل كلينتون الديمقراطي. وبدأت الفترة الثالثة بعد إعادة انتخاب الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش في 2004 واستمرت حتى 2009، أي استمرت لمدة عام في الفترة الأولى للرئيس الديمقراطي باراك أوباما. ومن أجل استكشاف هذه الديناميكيات طويلة الأجل، نحدد التغير في الاستثمار العام من أدنى مستوياته في فترة الاستثمار إلى أعلى مستوياته خلال هذه الفترة. ونحصي في الفترة بين 1975 و2012 فترات تصل إلى 264 فترة من الطفرات الاستثمارية شهدتها الـ80 دولة الديمقراطية في قاعدة بياناتنا. ويبلغ متوسط حجم طفرة الاستثمار 3.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بينما كانت أعلى نسبة ارتفاع هي 26 في المائة في ليسوتو في الفترة بين 1978 و1982، وكانت أدنى نسبة ارتفاع هي 0.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة في الفترة بين 1998 و 2003. ويؤكد تحليلنا الكمي أن الخصائص السياسية مثل تجزؤ مجلس الوزراء وأيديولوجيته تكتسب أهمية أكبر من الانتخابات على المدى البعيد في تفسير حجم طفرات الاستثمار المستمرة. فالحكومات التي يغلب عليها التيار اليميني تقترن بدرجة أقل من الزيادة في الاستثمار العام، ما لم تواجه انقساما في السلطة التشريعية وتآلفات برلمانية مساندة للاستثمار، مثلما حدث في بعض الحالات في الولايات المتحدة أثناء إدارة ريجان وجورج دبليو بوش. كذلك تقترن الحكومات المجزأة بطفرات استثمارية مستمرة أصغر حجما. يمكن الخروج من بحثنا بثلاثة انعكاسات مهمة للسياسات. أولا، حتى عندما تكون الأوضاع الاقتصادية الكلية ملائمة من حيث الحيز المتاح من المالية العامة والسياسة النقدية، وهناك مشاريع جاهزة للتنفيذ مناسبة وفعالة، قد لا تتاح إمكانية التوسع في الاستثمار العام مع قرب الانتخابات. ويكون الحافز أمام الحكومة التي تتولى الإدارة هو زيادة الإنفاق الجاري "الواضح" على التخفيضات الضريبية أو أجور القطاع العام أو برامج التحويلات العامة لزيادة التأييد السياسي. وقد يكون من الصعب عكس مسار هذا الإنفاق، ما يؤدي إلى التحيز نحو العجز في الحساب الجاري. وربما أثر كذلك في إمكانات نمو الاقتصاد على المدى الطويل، لأن الضغوط الانتخابية قد تولد مستويات من الاستثمار العام دون المستوى الأمثل، وتحد بالتالي من الاستثمار في مشاريع مثل الطرق والمطارات ومجالات أخرى من شأنها أن تعزز قدرة الاقتصاد على تقديم السلع والخدمات. وثانيا، عندما تسعى البلدان إلى الحصول على المشورة أو الدعم المالي من منظمات دولية، يتوقع أن تقر برامج المساعدة المالية صراحة بالتحيز لتفضيل الإنفاق الجاري الذي يحدث قبل الانتخابات بنحو عامين. ومن شأن وضع تصميم أقوى لسياسة المالية العامة أثناء هذه الفترة أن يساعد على تقييد التصاعد المستمر في بنود إنفاق معينة. وأخيرا، أفضل خيار لعزل دورة الاستثمار العام عن الضغوط الانتخابية هو تعزيز مؤسسات الموازنة وتحسين نظم إدارة الاستثمار العام.

مشاركة :