الانفتاح على العالم والأخذ بأسباب التطور والتقدم الحضاري بات ضرورياً لحياتنا المعاصرة طالما نحن نُمثل جزءً لا يتجزأ من منظومته، غير أن هذا لا يعني بالضرورة أن نخضع لإرادة وأهواء وتقاليد مجتمعات أخرى تتخذ من الحرية والديمقراطية والاختلاط منهج حياة على حساب قيمنا الاجتماعية الأصيلة وثوابتنا الدينية الراسخة والتي هي أساس عزنا وفخرنا ومُنطلق قوتنا لمواجهة مُختلف منعطفات الحياة ونزوات النفس الأمارة بالسوء؛ نقول ذلك من واقع ما نلحظه من بعض شبابنا ونسائنا على وجه التحديد من مجاراتهن وتقليدهن لسلوكيات غربيات وكافرات ظناً منهن بأن ما يلبسنه من ملابس شبه عارية وبناطيل ضيقة ومخرمة في بعض أجزاءها، بالإضافة لصبغ شعرهن بألوان مغايرة لطبيعتهن تحت طائلة الموضة والماركات الجديدة يُعد من التمدن والتحضر، بينما العكس هو الصحيح لمن يقف على أحوال مجتمعهن وهم يشكون الكثير من المشاكل والجرائم والشذوذ الجنسي والأمراض الفتاكة كما أوردته الصحفية الأمريكية هيليان ستانبري في إحدى تقاريرها من أن سجون بلادها ومصحاتها ومستشفياتها أضحت غير قادة على استيعاب هذه الحالات حيث بلغت نسبة الاعتداءات والتحرشات الجنسية فيها 90% بينما بلغت نسبة الطلاق 72% مقدمة بذلك النصح للمسلمين ومن واقع هذه المآسي إلى أن يتمسكوا بتقاليدهم وأخلاقهم وأن يقيدوا حريات فتياتهم ويمنعوا الاختلاط ويعودوا للحجاب. فيما اعتبرت الكاتبة الإنجليزية الليدي كوك اختلاط النساء بالرجال بوابة ما إن تفتحها أمة من الأمم إلا وتلج إليها الجرائم والشذوذ الجنسي ومرض الطاعون عوضا عن الانتحار؛ ومن يقرأ التاريخ يجد بأنه ومن أسباب انهيار الحضارات القديمة كاليونانيين والرومانيين وموت سبعون ألفاً إنسان في يوم واحد في زمن موسى عليه السلام كان من ناتج هذا الاختلاط وتفشي الفاحشة وإصابتهم بمرض الطاعون؛ وهو ما نبه إليه ديننا الإسلامي الحنيف لأكثر من أربعة عشرة قرناً ووضع له كافة التدابير الوقائية كما في قوله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ) وقوله أيضاً: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِك أدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ). تجدر الإشارة إلى أن الحجاب وهو أساس موضوعنا قد أقرته جميع الديانات السماوية وأنه كان معروفاً لدى حضارات قديمة قبل ظهور الإسلام، ولكنه يخضع لمعايير دينية ومكانية واجتماعية خاصة بهم، والحجاب في اللغة مشتق من حجب الشيء أي ستره وامرأة مُتحجبة أي مستترة بساتر إما أن يكون شاملاً لكامل جسدها، أو يظهر منها فقط وجهها وكفيها وقتما تأمن على نفسها من الفتنة. جاء في الحديث قول عائشة رضي الله عنها: كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ، فيما قال صلوات ربي وسلامه عليه: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء. نظراً لما يتصفن به من عاطفة جياشة وسرعة استجابة وصعوبة في تحكيم عقولهن مقارنة بالرجل وبالتالي ما أسرع الافتان بهن لاسيما إذا ما كن جميلات وحصل منهن ضحك وميوعة. يقول المستشرق شاتليه في هذا الصدد: إذا أردتم أن تقضوا على الإسلام والذي يعتبره المسلمون مصدر عزهم وشموخهم وسيادتهم وغزوهم للعالم عليكم أن توجهوا جهودكم لنشر روح الإباحية فيما بين شبابهم وفتياتهم وأن توفروا لهم عوامل الهدم المعنوي حتى لو لم تجدوا منهم سوى المغفلين والسذج والبسطاء. وللحجاب مواصفات شرعية ومنها أن يكون ساتراً لكافة جسد المرأة وغير شفاف أو شبيها بملابس الرجال أو مزخرف ويلفت النظر أو ضيق ويُظهر محاسن المرأة لقوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) أي بدون قصد، فيما اعتبر ابن القيم الجوزية تغطية النساء لوجوههن أمراً ضرورياً لكون ظهور الوجه يُسفر عن كمال المحاسن، فيحصل الافتنان ويعظم خطره كلما اتسع نطاق عمل المرأة خارج منزلها واختلطت بالرجال باستثناء حالات ضرورية كرؤية المحارم والطبيب والخاطب، وقاضي المحكمة، وفي حالة البيع والشراء؛ قال صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أراهما وذكر منهما: نساءٌ كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها. أي غير ساترات لكامل أجسادهن مما يستملن بذلك قلوب الرجال والذين إذا لم يضعوا نصب أعينهم مخافة الله ربما يدفعهم لممارسة سلوكيات لا أخلاقية وقتما يختلطون بهن في البارات والمراقص والملاهي الليلية قال الشاعر : إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تـقـلب عـرياناً وإن كان كاسيا وخـير لـبـاس الـمرء طـاعة ربـه ولا خـير فـيمن كان لله عاصياً فالحجاب إذاً هو بمثابة صمام أمان لصون عفة وطهر وشرف وعرض وكرامة جميع نساء العالمين ومبعث خير لمجتمعات الأرض بأسرها، بخلاف ما ذهب إليه بعض المخدوعين والمنبهرين والمعجبين بحريات الغربيين المنفلتة والداعين لتحرير المرأة وغيرهم من أعداء المسلمين من أن الحجاب يعيق تحركات النساء أثناء قيامهن بأعمالهن ويشعرهن بالذل والقهر والانتقاصة بينما الاختلاط يُساهم في تقريب المسافة بين الجنسين ويُقيم علاقات بينهما على قاعدة التفاهم الفكري العاطفي. بقي أن نقول في الختام بأنه كلّما كانت المرأة محجّبة وملتزمة بالآداب والأخلاق الكريمة كلما كانت بمنأى عن التحرش والاغتصاب وتداعياته وهو ما تشكوا منه حالياً دولاً كثيرة في ظل التبرج والسفور والانفتاح الإعلامي والتقني؛ وقد جاء في الحديث: صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وما خلى رجل بامرأة إلا وثالثهما الشيطان، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، وإِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ حينما سأله صل الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: أَفَرَأَيْتَ الحَمْوَ؟ فقَالَ: الحَمْوُ المَوْتُ وهو أخو الزوج، ومروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع. وفي هذا تبيان صريح لنوم الأبناء الذكور بمعزل عن البنات وتعويدهم على هذا النهج السليم منذ صغرهم لكي يشبوا ويشيبوا على خُلق كريم أساسه ومنطلقه ديننا الإسلامي القويم. عبد الفتاح بن أحمد الريس باحث تربوي وإعلامي
مشاركة :