حسبة بسيطة مع وزارة الإسكان - د. مشاري بن عبدالله النعيم

  • 4/11/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أنا مقتنع بأن رسوم الأراضي البيضاء لن تحل مشكلة الإسكان ولن تؤدي إلى هبوط أسعار العقار، لكنها قد تحل مشاكل تنموية وعمرانية واقتصادية أخرى لسنا بصددها في هذا المقال. فمشكلة الإسكان تكمن في تمكين المواطن من بناء مسكن خاص به وبأسرته دون أن يؤدي هذا إلى استقطاب اجتماعي يمكن أن يفضي إلى ظهور بؤر اجتماعية غير مرغوب فيها، وهو الأمر الذي عادة ينتج عندما تتدخل الدولة في بناء المساكن وتوزيعها على الناس، وقد ثبت هذا الأمر عالمياً وجميع تجارب دول العالم تؤكد أن مشاريع الإسكان الحكومي فشلت فشلاً ذريعاً وكثير من الدول أزالتها بعد بنائها بفترة قصيرة. إذاً ما هو الحل؟ يمكن تأسيس مكاتب إقليمية ومحلية تنسيقية للإسكان تكون فيها كل من وزارة الإسكان والشؤون البلدية والقروية والمؤسسات الخدمية الأخرى مع إمارة المنطقة لتشكل مراصد إسكانية تعمل على المستوى المحلي تقدم الدعم الفني للمواطنين (التصميم المعماري وترشيد التكلفة) يظهر لي أن الحل يبدأ من وضع "حلول وسط" تجمع بين التدخل الحكومي وحرية المواطن في اختيار موقع وشكل مسكنه. للوهلة الأولى يبدو أن هذا الحل صعب التحقيق، لكن يمكن أن أستعرض تجربة سريعة قامت بها دولة الكويت عندما سمحت للأسر أن تختار بشكل جماعي مواقع مساكنها التي تبنيها وتوزعها الحكومة محاولة منها لاستعادة فكرة "الفريج" أو "الحارة" المتناغمة اجتماعياً. لا أدعي أن نموذج الكويت حقق نجاحاً كبيراً، لكن الفكرة تستحق التوقف عندها ويمكن الاستفادة منها في مرحلة من مراحل بناء الأحياء السكنية الجديدة. سوف أتوقف هنا عند فكرة طرحتها في مقال سابق قبل عدة أسابيع وأكدت فيها أن وزارة الإسكان يجب أن تقوم بتطوير الأراضي التي تملكها وتعيد بيعها على الناس، وقد وصلتني ردود كثيرة تؤيد وتعارض هذه الفكرة، لذلك رأيت أنه من المناسب أن أعيد طرح هذه الفكرة بشيء من التفصيل. الخبر المتداول إعلامياً أن هناك أكثر من ملياري متر مربع تم استردادها في جميع مناطق المملكة ويمكن أن تعطى لوزارة الإسكان لبناء مساكن عليها ولو تم هذا فعلاً يمكن أن يحدث هذا نقلة نوعية في حل مشكلة الإسكان ويمكن أن يؤدي إلى استقرار سوق العقار وعودته للأسعار الطبيعية. من الناحية التخطيطية افترضت أن 50% من مساحة هذه الأراضي سوف تذهب للطرق والمرافق والحدائق وهذه نسبة تخطيطية عالية تنتج كثافة متوسطة في الحي السكني وبذلك يبقى مليار متر مربع يمكن توزيعه كقطع أراضٍ بمساحة 400 متر مربع لكل قطعة أرض. النتيجة هي توفير مليونين وخمس مئة قطعة أرض في كافة مناطق المملكة. لقد افترضت أن تكلفة التطوير هي 200 ريال لكل متر مربع (وهي تكلفة مبنية على دراسات متعددة لتكلفة التطوير التي تشمل الطرق والإنارة والشبكات ومحطات الكهرباء ومعالجة الصرف الصحي والمياه) تصبح تكلفة المتر المربع مطور 400 ريال، أي أن تكلفة الأرض ستكون 160 ألف ريال. هذه الحسبة البسيطة يمكن أن تحل مشكلة توفير الأراضي بشكل كامل خصوصاً وأن الأحياء ستكون مخدومة، ويمكن للمواطنين المتقدمين لصندوق التنمية العقارية الحصول على قطعة أرض في المكان الذي يناسبهم مع إمكانية أن يكون هناك تجمع أسري في الأحياء المطورة لإعطاء فرصة لبناء أحياء متناغمة. مع التأكيد على أن كل مواطن تنطبق عليه الشروط لديه فرصة واحدة في العمر لتقديم هذا الطلب، كما أنه لا يحق له بيع الأرض إلا بعد أن يقوم ببنائها. هذه الآلية يمكن ربطها بالقرض الذي تقدمه الدولة (500 ألف ريال) ويمكن لمن لا يستطيع أن يدفع قيمة الأرض أن تخصم قيمة الأرض من القرض في حال إستحقاقه له، أي أن المواطن الذي سيقوم بشراء الأرض من ماله الخاص يمكن أن يتملكها مباشرة بينما من لا يستطيع يمكن أن ينتظر القرض وبهذا يمكن أن تحدث تنمية للأحياء بشكل تدريجي وتستعيد الدولة ما أنفقته على تطوير الأراضي لتسرع به برنامج الإقراض. ما يميز هذا المقترح هو المحافظة على التنوع الاجتماعي والابتعاد عن أي إمكانية للاستقطاب السلبي لفئات اجتماعية غير متناغمة مع إمكانية تشجيع التناغم الاجتماعي الإيجابي وبناء أحياء سكنية صحية. يضاف إلى ذلك أن المقترح يفتح لكل مواطن سقف حرية التصميم المعماري وتشكل مسكنه حسب هواه، فمن المعروف أن "المسكن يعبر عن شخصية من يسكنه" وهناك عبارة مشهورة هي "عندما ينتهي بناء المسكن يبدأ التغيير" وهي عبارة ناتجة عن تجارب المشاريع الحكومية في الإسكان، وقد قمت شخصياً بدراسة عدد من مشاريع الإسكان في المملكة نفذتها ووزعتها الدولة في وقت سابق ومرت بتغييرات شاملة حتى أن بعضها اختفت ملامحها الأصلية وهذا يعني تشويهاً للبيئة العمرانية وهدراً اقتصادياً كبيراً. أحد الزملاء قال لي إنه يجب أن تكون الأراضي المطورة ضمن النطاق العمراني حتى تكون جاذبة للسكان، فقلت له أصلاً مثل هذا المشروع الوطني سيكون بالتدريج أي أنه لو بدأنا ب 500 ألف وحدة سكنية سيتطلب الأمر تطوير 400 مليون متر مربع في كافة مناطق المملكة بحيث يتم تطوير الأراضي القريبة والصالحة، ويمكن في هذه الحالة وضع خطة لمدة 25 عاماً لحل مشكلة الإسكان في المملكة بالاعتماد على الأراضي المتاحة حالياً يتم خلال بناء نصف مليون وحدة سكنية من قبل المواطنين كل 5 سنوات مع دعم حكومي يركز على تطوير الأراضي وبرنامج إقراض حسن طويل الأجل وتقديم الدعم الفني للمواطنين. وبالطبع يمكن تأسيس مكاتب إقليمية ومحلية تنسيقية للإسكان تكون فيها كل من وزارة الإسكان والشؤون البلدية والقروية والمؤسسات الخدمية الأخرى مع إمارة المنطقة لتشكل مراصد إسكانية تعمل على المستوى المحلي تقدم الدعم الفني للمواطنين (التصميم المعماري وترشيد التكلفة) وتتابع اختيار مواقع تنمية الأراضي وتطويرها وتراقب تنمية الأحياء السكنية وتساهم في تحقيق التناغم الاجتماعي المحلي. بالطبع هناك عمل مؤسسي تحتاج له وزارة الإسكان حتى تستطيع تحقيق أهدافها ويجب عليها من هذه اللحظة أن يكون لها امتدادات في المناطق. أعتقد شخصياً أن الفكرة تمثل "الحل الوسط" الذي يعجل في حل مشكلة الإسكان وإشراك المواطن في المسؤولية ولا يشكل ضغطاً مالياً على الحكومة، كما أنه حل يساهم في معالجة اقتصاد سوق العقار ويجعله مستقراً على المدى البعيد ويقلل من احتكار العقاريين ويجبرهم على إعادة النظر في كثير من المسلمات التي اخترعوها خلال العقود الماضية كما أنه لا يلغي مسألة أن السكن "سلعة" خاضعة للعرض والطلب فالبيع والشراء والتداول مفتوح ومتاح. الفكرة تعتمد على خطوات تنفيذية تمكن المواطن من بناء مسكن خاص له ولأسرته وتدفع به للمشاركة في المسؤولية والتخطيط المستقبلي وتطوير عملية الإدخار الأسري. فطالما أن الأرض موجودة فيمكن بناء مسكن ينمو مع الوقت ويتمدد مع تمدد الأسرة وزيادة عدد أفرادها. لمراسلة الكاتب: malnaim@alriyadh.net

مشاركة :