لا شك في أهمية الابتعاث بما هو استثمار في الإنسان - وهو العنصر الأهم في كل الاستثمارات-؛ بما توفره تجربة الابتعاث الثرية من تلاقح فكري مباشر مع الآخر وانفتاح على التجارب المعرفية والعلمية للدول المتقدمة؛ فضلًا على فوائد لا حصر لها يجنيها الوطن والمواطن نتيجة لتماس شريحة المبتعثين والمبتعثات بالثقافات المختلفة وانفتاحهم عليها في علاقة جدلية تمكنهم من أدوات التفكير النقدي القادر على الفرز والانتخاب؛ ثم العودة للوطن لبذر ثمار وخلاصة تجربتهم فيه. من هنا تأتي أهمية قراءة مشروع الابتعاث الحيوي ومقاربته موضوعيًا بعيدًا عن التحزب والتعنصر وصراع التيارات؛ الذي ألقى بظلاله على المشروع وحشره في خانتي الأبيض والأسود فقط؛ مما أثر على المسيرة النقدية- الضرورية لأي مشروع بغية التقويم والمراجعة والتطوير-؛ خاصة أن المشروع لم يخلُ من الارتجال ناهيك عن افتقاره للخطط الإستراتيجية بعيدة المدى التي تربط المخرجات بسوق العمل وتحدد الأوليات. بالمقابل؛ لا تعني مراجعة المشروع وتقويمه ودراسة نقاط قوته ومكامن ضعفه الانزلاق في فخ القرارات العشوائية من جديد؛ أو مركزيتها وحبسها في أفلاك البيروقراطية القاتلة لطموح أبنائنا وبناتنا من الطلبة المبتعثين؛ أو أولئك المتطلعين للانضمام للبرنامج من الدارسين على حسابهم الخاص ممن أثبتوا جدارتهم وتفوقهم. ولا تعني أيضًا أخذ المبتعثين ممن خططوا من قبل لترقية بعثاتهم على حين مفاجأة؛ بعد أن رسموا مسار حياتهم بناء على معطيات معينة جعلت من ترقية البعثة أمرًا مضمونًا ومفروغًا منه. وفيهم من تعدى العمر المسموح للتقديم على البعثة، وكان قد تخلى عن وظيفته في القطاع الأهلي طمعًا في تحسين مستواه وتطوير مؤهلاته ليعود مسلحًا بالعلم والمعرفة؛ وبالتالي فرص وظيفية أفضل يفيد منها نفسه ووطنه. ومنهم من تعلق بين القرارات؛ بعد أن بدأ مشواره وتكبد جهدًا ومالًا للحصول على قبول جامعي؛ ولكنه مضطر لقطع الدراسة والتقديم على بعثة من جديد، مع عدم تمكنه من الحصول على تعويضات تكاليف التقديم لأن بعثته قد انهيت. ناهيك عن الأضرار والتكلفة المادية الناتجة عن اضطرارهم لبيع سياراتهم وأثاثهم وإنهاء عقود سكنهم؛ ثم تكبدهم من جديد تكلفة تهيئة مساكن ومواصلات في حال عودتهم ببعثة جديدة.. إلى كثير من الأضرار الواقعة على هذه الفئة مما يحتم إيجاد حلول تتسم بالمرونة.. وللاطلاع على المزيد من معاناتهم يمكن الاطلاع على حساب المتضررين من إيقاف ترقية البعثات على موقع تويتر. مشروع الابتعاث حدث جميل ساهم ولا شك في رفد الوطن بالقدرات الشابة المسلحة بالعلم والمعرفة واستفاد منه الآلاف؛ ونقده وتقويم مسيرته بات اليوم ضرورة لا تبيح أبدًا الإضرار بفئة رسمت خريطة حياتها بناء على معطياته السابقة. amal_zahid@hotmail.com
مشاركة :