بين العطاء المقبول و «الأعباء الخيرية» | عبدالله علي الخطيب

  • 4/13/2015
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

العطاء بكل أشكاله وتجلياته هو قطعًا قيمة حضارية وإنسانية تسعى لترسيخه جميع المجتمعات المتحضرة، وتحث على الإعلاء من شأنه ومن حضوره ومن مخالطته لسلوكيات أفراد هذه المجتمعات. وتتجسد أعلى منازل العطاء في مجتمعاتنا الإسلامية بسلوك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي قدّم لنا عبر سيرته العظيمة أجمل وأكمل صور العطاء الأخلاقي والمعنوي والمالي؛ فهو الرمز الأكبر للعطاء والإيثار بكل تفاصيلهما. من ضمن أشكال هذه العطاءات هناك العطاء المادي والعمل الخيري الذي عادة ما يقوم به رجال أو سيدات الأعمال الذين يملكون رؤوس أموال كبيرة ويقررون أن يشاركوا في تبني مشروعات خيرية يستفيد منها من توجه له هذه المشروعات والمساعدات. ومن منطلق ردود الأفعال المتباينة لهذه المجتمعات التي تتلقى هذه المبادرات، فإنني أتساءل: ما العلامات التي تجعل المجتمعات والأفراد تطلق على بعض الأعمال الخيرية أنها مقبولة وتعترف بها، وتقدر أصحابها وترفض أن تُكن نفس التقدير لإعمال خيرية أخرى؟. يبدو أن من أبرز العلامات أنَّ الأشياء - كما يقال - تعرف بأضدادها، وبما أنَّ المجتمع تعرَّضَ لكثير من «الأعباء الخيرية» التي سرعان ما تتكشف هشاشتها، فتصبح زَبَدًا لا وزنَ ولا قيمةَ له في نفوس أغلب مُتلقيه. ومن ثمّ تتحوَّل هذه الأعمال إلى حالة من الجُفاء، لا يملك المجتمع الذي تلقّاها إلا أن يميل إلى القطيعة والانفصال عنها، وقد يعود السبب إلى أنه بمجرد أن تزول المساحيق عنها تتعرى ويظهر محتواها يعلن المجتمع توجسه وخيفته من الغاية من وجودها، ويصل في النهاية إلى قناعة راسخة بأن هذه الأعمال، عوضًا من أن تصبح إضافة للمجتمع، تتحول شيئًا فشيئًا إلى أشبه ما يكون بالعبء الثقيل الذي أبعد ما يكون عن مخالطة مشاعر الناس وأحاسيسهم. إن العطاء الحقيقي يرتكز - كما يقول مارسيل هونيت - على علاقة تبادلية بين المانح والمتلقي «ليست قطعًا من نمط تجاري»، وإنَّها قائمة على «لغز العطاء المتبادل الاحتفالي»، بمعنى أنَّ العملية التبادلية والتفاعل بين أقطاب عملية العطاء يدخل هنا في دائرة «البلا ثمن». ونستطيع القول إنَّ حالة الاحتفاء وتدفق المشاعر الإيجابية نحو العمل الخيري وصاحبه تقودها قوة عصية على الوصف، سواءٌ عند المعنيين بمحتوى المبادرة أم عند المجتمع الذي هو حتمًا معنيّ بها، ولكن بطريقة غير مباشرة. والسلوك «الاحتفالي» هنا هو أعلى وأجمل ما يبوح به المجتمع كتتويج للعملية التفاعلية بين المانح وأفراد المجتمع الذي يتلقاه ويمنحه رضاه. كما أنَّ من علامات المقبولية تحقيق العمل والمُنجز لقيمة «الاعتراف» الذي يعني «الاقرار والتصديق بشيء ما» ومن هنا نجزم أن القبول والتصديق لا يمكن أن تخالطا إلا الأعمال الصادقة المُتجرّدة، التي بتجرُّدها وصدقها وبابتعادها عن «الأنا المكروهة» تجعل المجتمع يُصرّ على أن يحتفي بالشخصية المعطاءة إلى أنْ يتجذر احترامُها احترامًا عميقًا يغيبُ عنها كُليًّا خطابُ الأرقام وتبقى ويبقى أثرها عندما ننسى الآخرين. A1250@hotmail.com

مشاركة :