هل باتت كامب ديفيد قدرًا مقدورًا في زمن منظور، لابد للعرب من لقائه والرضا به منذ أربعة عقود وحتى الساعة؟. السؤال المتقدم وراؤه بلاشك ما تردد في الأيام القليلة الماضية عن نوايا أمريكية لإستئناف مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية في النصف الأول من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل. هل هي عودة إذن إلى أحاديث صفقة القرن مرة أخرى، لاسيما بعدما بدا واضحا أن لقاء المنامة الإقتصادي، ذاك الذي اعتبره الكثيرون مقدمة لابد منها لإنجاح الصفقة، قد أخفق في تحقيق أهدافه وفي المقدمة منها الاتفاق على ملامح أو معالم أولية بالنسبة للإشكالية الفلسطينية؟. أغلب الظن أن ذلك كذلك، والرواية هنا بحسب صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية الشهيرة، مفادها أن الرئيس الأمريكي سوف يوجه دعوات إلى رؤساء الدول العربية عبر صهره ومبعوثه إلى الشرق الأوسط “جاريد كوشنر”، لعقد مؤتمر في منتجع كامب ديفيد الشهير على أطراف واشنطن لعرض والموافقة على صفقة سلام جامعة مانعة بين الجانبين. أما عن الموعد المحدد أو المقترح للقمة المشار إليها فغالبا ما سيكون الاسبوع الثالث من شهر سبتمبر، أي قبل الانتخابات الإسرائيلية. هل من معالم أو ملامح لتلك الخطة؟. تنكر الصحيفة الإسرائيلية توافر أي معلومات، لكنها في أغلب الأحوال لن تخرج عن السياقات التي تم الحديث بشأنها من قبل، تلك التي تفرغ القضية من جوهرها السياسي والحقوقي، إلى تقديم حلول إقتصادية للشعب الفلسطيني، وأن تحمل العالم العربي غالبية إن لم يكن كل الفاتورة دفعة واحدة. هل تغير شيئ ما بعد لقاء المنامة في تفكير الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟. الشاهد أن الصحيفة الإسرائيلية تقودنا إلى التفكير في هذا المسار، إذ تشير إلى أن ترامب سوف يعلن دعمه لكيان سياسي فلسطيني، لكن الأمر لا يعني أنه سيعترف بدولة فلسطينية بالضرورة، ومن ناحية مربط الفرس كما يقال أي القدس الشريف، فإن ترامب سيشير إلى وجود فلسطيني في القدس الشرقية، من غير أن يؤدي ذلك إلى الإعتراف بها عاصمة للقدس الشرقية. الكثير جدًا من الأسئلة تطرح ذاتها بذاتها في وسط الصخب والضوضاء اللذين يلفان المشهد الحالي، وفي المقدمة منها: “لماذا الإصرار الترامبي هذا على التوصل إلى صفقة في وقت سريع، ومن قبل لماذا سبتمبر تحديدا”..؟. يمكن القطع بأن الأمر ليس مصادفة قدرية أو موضوعية، فالتوقيت يخدم رئيس وزراء إسرائيل نتانياهو في أول الأمر، حيث أنه سيكون قريبا من توقيت الانتخابات في الداخل الإسرائيلي من ناحية، ومن ناحية أخرى يجئ قبل إنطلاق الحملة الرئاسية الأمريكية، حيث يتطلع الرئيس ترامب إلى فوز ساحق، ومن دون أي شك سيكون للوبي المساند والداعم لدولة إسرائيل دور مهم وفاعل في المشهد. يعن لنا أن نكمل التساؤلات، وحديث علامات الاستفهام عادة ما يكون أهم من الإجابات التقليدية المطروحة على موائد البحث، ومن عينة ذلك: هل ترامب هو الرجل المؤهل لفعل هذا الدور قولا قطعيا، أي أن يكتب اسمه في سجل القياصرة الأمريكيين من خلال حل إشكالية قاربت على الثمانية عقود؟. من المؤكد حتما أن ترامب ليس هو الرجل، لا سيما بعد القرارات التي اتخذها، ومنها الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لدولة إسرائيل من ناحية، ثم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، الأمر المخالف لكافة الشرائع والقوانين الدولية، تلك التي تعتبر القدس مدينة واقعة تحت الإحتلال الإسرائيلي، منذ العام 1967 وحتى الساعة. يحق لأي محلل سياسي عربي أو أجنبي محايد أن يسائل السيد ترامب بالقول: “عن أي صفقة سلام تتحدث وإسرائيل قد شرعت البناء الأيام الماضية وأعطت الضوء الأخضر لبناء نحو 6000 وحدة سكنية جديدة، الأمر الذي يجعل مسألة السلام عقلا أو عدلا، بعيدة كل البعد عن الأفق الحقيقي القابل للتحقق، وهل فكرة منح 700 تصريح بناء للفلسطينيين في المنطقة الغربية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، يمكن أن تساعد في الترويج لإقتراح السلام الأمريكي؟. فكر الرئيس ترامب لا يزال فكر رجل الأعمال، أي فكر المقايضة، لا فكر الحقوق الأصلية، وإرجاع السليب منها على نحو خاص، وهو ما لن يقبل به الفلسطينيون من النخبة أو العوام، وبنوع خاص القيادة الفلسطينية، التي رفضت مثل تلك المقترحات من قبل، ورفضت المشاركة في لقاء المنامة. لماذا يصر الرئيس ترامب على السير عكس إتجاه الرياح، وقد بلغ إلى أسماعه الإدانات الأخيرة من الدول العربية والإسلامية التي إلتأم شملها في آخرشهر رمضان الماضي في مكة المكرمة، وجميعها رفضت المساس بثوابت القضية؟. من خلال التجربة الشخصية يمكن القطع بأن واشنطن مالئة الدنيا وشاغلة الناس تتوافر على معلومات ربما يعجز جن سليمان أن يأتي بها، لكنها عاجزة عن تمثيلها وإخراجها في صورة طروحات وشروحات عادلة عقلانية، وهذا هو السبب الرئيس الذي سيجعل من لقاء كامب ديفيد عديم الفائدة من قبل أن ينعقد، هذا إذا كان هناك إنعقاد فعلي له، ولم يكن الأمر برمته بالون إختبار، من أجل معرفة ردات فعل العالم العربي. يخطئ الجانب الأمريكي كثيرا جدا إذا تجاهل الرد المصري، ذاك الذي أشار إليه الرئيس السيسي في لقائه مع كوشنر من أن مصر مع السلام الشامل والكامل، لكنه السلام القائم على أساس حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، بما يسهم في إعادة الإستقرار وفتح آفاق جديدة لمنطقة الشرق الأوسط وشعوب المنطقة. أخيرا وقبل الإنصراف يحق لنا أن نفكر بصوت عال: هل أزمات المنطقة لا سيما الملف الإيراني المشتعل يمكن أن يفسح مجالا لغيره من القضايا المصيرية والجوهرية كالقضية الفلسطينية؟. وماذا حال اشتعل الوضع في المنطقة؟.. أيرحل إلى حين آخر قد يقصر أو يطول بحسب الأوضاع المستجدة في المنطقة، وكأن أهم إشكالية عربية جوهرية، معلقة على أرفف الأزمنة والأحداث، ويتم التعاطي معها في أوقات الراحة ربما على سبيل التسلية..؟. لا يزال الغموض سيد الموقف بالنسبة لصفقة القرن، غير أنه وفي كل الأحوال في مواجهة تشاؤم الحال، سوف نبقى قابضين على تفاؤل الاستقبال. ..وإلى حديث مكمل.
مشاركة :