إميل أمين يكتب: عن القضية الفلسطينية في زمن بايدن

  • 1/3/2021
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

من بين الأسئلة الحيوية التي تطرح نفسها بين يدي هذا العام، سؤال حول مستقبل القضية الفلسطينية في عهد الرئيس الأمريكي الجديد جوزيف بايدن، لا سيما بعد أربع سنوات عجاف من ولاية  دونالد ترامب، أقدم فيها على إلحاق ضرر بالغ ببعض من المرتكزات الرئيسية للإشكال الذي طال، فمن إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ثم قطع التمويل عن وكالة غوث اللاجئين، الأونروا، وصولا إلى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، تسبب ترامب في فقدان مصداقية المفاوض الفلسطيني أي ثقة في الموقف الأمريكي ونزاهته كوسيط مستقبلي. والآن تغيرت الأوضاع وتبدلت الطباع وبات السؤال: هل يمضي بايدن في إتجاه مغاير لذاك الذي سلكه سلفه؟ باختصار غير مخل، هناك قواعد ثابتة من الالتزام الأمريكي بالتفوق الإسرائيلي في المنطقة، هذا شأن لا تشوبه شائبة، غير أن هذا لا يعني أن نظرة  بايدن ستكون بالضرورة هي ذات رؤية ترامب، لا سيما وأن الرئيس القادم يؤمن بفكرة الدولة  الفلسطينية المستقلة. يبدأ الرئيس بايدن ولايته ومشهد الارتباط التقليدي بين الدول العربية والقضية الفلسطينية تعتريه منعرجات مختلفة عما جرت به المقادير قبل ثمانية عقود، فالكثير من تلك الدول بدأت مرحلة إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، الأمر الذي يراه البعض مخلا بالموقف العربي من دعم القضية، فيما البعض الآخر يؤمن إيمانا جذريا بأن ذلك الارتباط الجديد، مفيد إلى أقصى حد ومد، ذلك أنه وجد له موقعا وموضعا في الداخل الإسرائيلي، وأصبح رقما مضافا إلى جانب الفلسطينيين، يزود عنهم، ويساعد الطرف الآخر في التوصل إلى حل عادل، ومن آيات ذلك الموقف الإماراتي، والذي استنقذ في العام الماضي ما تبقى من أراض في الضفة وغزة، كانت حكومة نتانياهو تخطط لقضمها من الجانب الفلسطيني ليضيع معها الأمل في قيام دولة فلسطينية مستقلة بشكل حقيقي. وصول جو بايدن إلى  البيت الأبيض، استدعى ولاشك من الجانب الإسرائيلي، إعادة  فتح ملفات الرئيس الجديد، ومحاولة إستشراف مواقفه من الصراع العربي الإسرائيلي على نحو خاص، وهذا ما فعلته صحيفة “هآرتس” الأيام القليلة الماضية، حين عادت إلى نشر وثيقة نادرة، وهي محضر لقاء جرى العام 1986 حيث التقى السفير الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة “مير روسين”، في تلك الفترة، بعضو مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير، قبل عامين من محاولة بايدن الأولى الترشح لرئاسة الجمهورية. يكشف التقرير عن أن بايدن، وفي محاولة  لإقناع السفير بأنه صديق لإسرائيل، أشار إلى أن الولايات المتحدة ينبغي أن تراعي إسرائيل أولا، لكن على قدم المساواة مع العرب. الوثيقة عينها تقول إن بايدن يؤمن أن الولايات المتحدة عليها  تغيير رسالتها العامة نحو إسرائيل وتعاملها مثلما تعامل باقي الدول الصديقة، مشيرا حسب الوثيقة، إلى أنه من غير المعقول أن تختلف الولايات المتحدة علنا مع رئيسة الوزراء البريطانية حينها، مارغريت تاتشر، لكن لا تتردد في إعلان خلافاتها مع إسرائيل علنا. كان من الواضح خلال فترة الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة أن حكومة نتانياهو قد فضلت التريث والبعد عن الظهور كطرف فاعل أو مؤثر في المشهد الأمريكي الداخلي، وفي موقفها هذا بدا واضحا أنها تحاول الحفاظ على مسافة واحدة من المرشحين، على الرغم من الموقف الترامبي غير المسبوق من رؤساء أمريكا تجاه دولة إسرائيل، فيما الأكثر غرابة تبدى في تصويت الأمريكيين اليهود في ولايات كبرى مثل نيويورك لصالح بايدن، ما يطرح علامات استفهام عديدة حول سيرة ومسيرة بايدن في قادم الأيام، وما إذا كان سيظل على أرائه السابقة في منتصف الثمانينات، وحين حاول الترشح للرئاسة الأمريكية لأول مرة، ووقتها اعتبرته إسرائيل غير متمتع برؤية واضحة أو علاقات كافية معها. قبل أن ينصرم العام 2020 خرج علينا مركز ستراتفور الأمريكي، والمعروف بأنه يمثل استخبارات الظل في الداخل، بتقرير مزعج يشير إلى أنه على الفلسطينيين الحذر في تصرفاتهم، لا سيما في مواجهة نذر متزايدة تنذر بفرض إسرائيل حل الدولة الواحدة، بينما ينشغل العالم بأولويات إقليمية أخرى، منها السلوك الإيراني في المنطقة، بالإضافة إلى التوجه المتسارع للتطبيع بين العرب وإسرائيل. يرى التقرير أن إسرائيل، وفيما العالم منشغل بالكثير من القضايا المثيرة والخطيرة، تمضي قدما في بناء المزيد من المستوطنات، والاستيلاء على المزيد من أراضي الفلسطينيين، دون أدنى شرعية دولية. هل ينبغي على إدارة بايدن أن تدرك أمرا مهما في بدايات عهدها في البيت الأبيض في هذا الإطار؟ من الطبيعي أن تكون إدارة بايدن منشغلة بالعديد من القضايا  الملتهبة، وليست الساخنة فقط داخليا وخارجيا، ويكفي النظر إلى ما يفعله فيروس كوفيد-19 المستجد في البلاد والعباد، وما تسبب فيه من خسائر اقتصادية جمة، ويمكن القطع كذلك بأن واشنطن تجد الكثير من العصي في عجلاتها مؤخرا، ما بين موسكو وهجماتها السيبرانية، وبين بكين وغزواتها المالية والتجارية. لكن في الوقت نفسه ينبغي على واشنطن في زمن بايدن أن تتطلع إلى الشرق الأوسط ولا تغفل عدالة القضية الفلسطينية،  وما تقوم به حكومة نتانياهو أو غيرها من الحكومات الإسرائيلية القادمة، ومرد هذا الاهتمام هو أن كل مربع بطش وسطوة إسرائيلية، وكل دونم يقضم، وتهويد تجري به المقادير، سيجعل بداية فكرة السلام والتطبيع أمرا غير ممكن، وسيضع الحكومات العربية في مأزق شديد أمام شعوبها. الأمر الآخر وربما الأهم هو أن أي ضغوطات يمكن أن تمارسها واشنطن على الجانب الفلسطيني فقط، تبخس من حقوقه التاريخية أو تختصم منها، ستتحول إلى أرصدة مضافة لتيارات التطرف والإرهاب شرق أوسطيا ودوليا، الأمر الذي ستجد فيه القاعدة وداعش وما شابه، فرصة ذهبية لاستقطاب المزيد من الوقود لمعركتها التي لم تنطفئ نيرانها بعد. إدارة بايدن أمام اختبار شرق أوسطي فلسطيني صعب، فهل تجتازه ليكتب الرجل إسمه في سجل القياصرة الأمريكيين؟

مشاركة :