صداقة حميمة مع علو المباني (الأبراج) تتضح معالمها أكثر هذه الأيام وستتسع في الأعوام المقبلة. قالوا إن السبب قلة الأراضي، وغلاء أثمان الواسع منها، وقالوا إنه معالم انتقام لتواضع المباني في بلادنا قديما (والانتقام هذا نفسي فقط، قد لا تبدو معالمه)، وقالوا أشياء أخرى. في السنين الأخيرة انتشرت فكرة بناء الأبراج العالية للسكن أو لعرضها كمكاتب نموذجية عصرية، وتكاد تشمل الفكرة منطقة الخليج العربي. ووصل المتابعون وأهل فكرة التوسع العمراني إلى أن تلك الأبراج العالية جدا قامت على أيدي عمالة أجنبية، بهندسة وتنفيذ أجنبي، ولم يوجد بين أولئك إلا القليل من أهل الخليج، وفي وظائف متواضعة. ثمّ إنها شُيّدت ليسكنها، مكاتبَ أو سكناً أو معارضَ، أناسٌ من غير أهل المنطقة أيضا. ورأيتُ أن الزبائن فقط نساءً ورجالًا هم من أهل السعة من أبناء الوطن. وقرأتُ أن أمورا عجيبة تحدث، وفي رأيي أنها تبتعد عن المنطق. فقد تابعت وجود شيء اسمه "الراعي البرونزي".. والراعي البرونزي عادة شركة عالمية ذات اسم دولي تدخل فقط عند مرحلة التسويق لتلك الأبراج، وتأخذ حقها من تداول اسمها. وصحيح أن الراعي البرونزي ذاك ذو خبرة في مجال الأساسات العميقة بكل أنواعها الخاصة بالمباني المرتفعة، ونفذت كبرى المشروعات، لكن دورها هنا هو تسويقي فقط (راعٍ برونزي). وتتزايد هواجس علماء الأرض والبيئة بطريقة مطردة من حدوث كوارث طبيعية نتيجة التغيرات المناخية، التي زادت وتيرتها خلال العقد الأخير بفعل السلوك الإنساني الجائر. أضف إلى ذلك أسبابا طبيعية أخرى مثل ديناميكية باطن الأرض، وتختلف الاستجابة الإنسانية لتلك التنبيهات نتيجة التفاوت في فهم ثقافة المخاطر الطبيعية التي تكتنف التوسع في إقامة الأبراج ومراعاة عدد الأدوار السكنية الممكنة، وعمق الأساسات ونوع الخرسانة وخواص وهندسة الأعمدة والتسليح. وأرى أن الأبراج عندنا أقيمت لغيرنا، فالمستأجرون مستثمرون وافدون، ولا أرى فيها خليجياً إلا - ربما - رجال الحراسة. ثم إن لدينا امتدادات ومساحات لا تجعل من الضرورة أن نحل مشكلة الاستيطان والسكن ببناء أبراج تجربتنا معها قليلة وضعيفة، لدرجة أن بعضها لا يزال ينتظر الساكن - سكناً أو مكتباً -. لمراسلة الكاتب: aalthekair@alriyadh.net
مشاركة :