أغاني الطفل العربي إشكالية مسكوت عنها

  • 4/21/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

واحدة من الإشكاليات التربوية التي تؤرق الآباء والمربين، وكذا المهتمين بثقافة الطفل العربي، تكبر كما كرة الثلج في عالمٍ متعدد الثقافات، يقتحم بيتي وبيتك عبر قنوات إعلامية متعددة. ما يتعلق بالأغنية الموجهة للطفل، إشكالية في حد ذاتها، تفتح مجالاً واسعاً للجدال بين متطلبات تربوية نريد لها أن ترسخ في عقول أبنائنا وبناتنا كي يتمسكوا بثوابتهم الثقافية والقيمية وهويتهم العربية، وبين معاصرةٍ نهرول خلفها كيلا يقال عنا (متخلفو دول العالم الثالث)! إن أول الدروس التي يتعلمها الطفل العربي من بعد نطق الكلام هي (قمع الكلام)! حيث يضيق صدر الأب والأم بأي كلمة تفلت من هذا الكائن البريء، الطفل بطبيعة الحال يتدرج في مراحل النمو ويبدأ في اكتساب جزء كبير من قاموسه اللغوي والتعبيري من الجو المحيط، أقرانه، أو قوة الشد المتمثلة في جهاز التلفاز بمختلف برامجه المنوعة التي تسحر خيال الطفل. هذه القوة الجاذبة (التلفاز) توقظ عقلية الطفل على إيقاعية الأغنية وفن الأداء، الأهل في غمرة انشغالهم الحياتي، يريدون في العادة طفلاً هادئاً لا يكثر من المشاغبة وتحطيم محتويات البيت، وحبذا لو يتسمر عند هذا الجهاز، ليس مهماً عند الكثيرين منا، ماذا يشاهد وما الذي يُعرض له؟ الأغنية الموجهة للطفل والتي يتلقاها عبر سيل جارف من الفضائيات العربية وسواها، أنت لا تدري ما هي المرامي التي تتحرك في إطارها وكيف تتعامل مع الطفل وبأي منطق؟ الكلمة هي الأساس الذي يوضع ويتحرك قبل اللحن، هذا الأخير عنصر مكمل حتى تكتمل الصورة، لكننا كثيراً ما نترك أولادنا يفرحون مع الإيقاع دونما محاولة فهم مغزى الكلمة! فقد لا تراعي هذه الأغاني أعمار الأطفال، كما أن الأغنية تحوي اليوم مشاهد مصورة (فيديو كليب) ولو ضمن قالب كوميدي، بحيث ترى أمامك مشهداً تمثيلياً عن عجوز يمشي في حديقة وهناك طفل مشاغب ينفذ مقلباً في المسكين.. والأغنية تستمر في إيقاعها بفرح! وهذا طبعاً ما يتناقض وقيمنا الإسلامية السمحة والتي تركز على احترام الكبير. الحصيلة التي تثبت في عقلية الطفل للأسف تتراكم بشكل سلبي مع مرور الوقت، مع هكذا خطاب فني سلبي يتم حشوه ليل نهار وبلا حسيب أو رقيب. لذا صارت التحديات التي تواجه الآباء والمربين كبيرة اليوم ومتشعبة من حيث تعقيدات عصرنا الراهن، وكيف نحمي النشء من هذا التلوث الفضائي الذي لا يتوقف طوال أربع وعشرين ساعة متواصلة من ساعات البث التلفازي. مجرد نظرة فاحصة لمحتوى هذه الأغاني في التلفاز أو بدرجة أكبر عبر الإنترنت (يوتيوب)، القليل منها تعالج جانب الثقافة العربية وتتكئ عليه في توصيل المحتوى التربوي الهادف الذي يغرس القيم الطيبة في النفوس لكن تطاول ساعات البث في العديد من المحطات الفضائية، تجعل هذه الأخيرة تلجأ لخلط الحابل بالنابل، كل ما هو غث وسمين تجده محشواً ضمن البرنامج العام بلا تمييز أو حتى مسؤولية. صارت عندنا رعاية إعلامية من بعض الشركات التجارية محلية وعابرة للقارات تعمل على شراء بعض الدقائق على الهواء من خلال ترويج هذه الأغاني، بذلك تنمو مساحة الثقافة المغايرة داخل الطفل العربي، وذاك البياض من البراءة الأولى المستعد لتلقي أي شيء بلا تمييز، يصير قنبلة موقوته من السلوكيات والألفاظ التي يتبناها الطفل بوعي أو بدونه، تكشف عن نفسها في أقرب موقف. زاوية أخرى لا تقل أهمية عما سبق طرحه، تتعلق بالترجمة. قلنا آنفاً إن الفضائيات تتمتع بشهية خرافية في طول ساعات البث، الأمر الذي يجعلها تهمل الكيف على حساب الكم، فكم من هذه الفضائيات أو مواقع الإنترنت تلتزم بوضع معايير فنية وتربوية لترشيح الأغاني المترجمة بغية بثها؟ اليوم على الشبكة هناك مواقع تنجح في إقناع الطفل بخيار الانتحار لمواجهة مشاكل الحياة! في ذات السياق.. أيعقل أن نستبعد شيوع مثل هذه المبنى الفكري عن الأغنية الموجهة للطفل العربي؟ ما يزيد المشهد تعقيداً أكثر.. قلة الإنتاج الفني للأغنية الموجهة للطفل العربي، عندها لا مفر من الاستيراد الجاهز على إشكالياته. صار نجوم الغناء العربي ينصرفون عن الاهتمام بالطفل العربي، ومبادراتهم الفنية في هذا الشأن شحيحة لا تظهر في الساحة إلا نادراً، يقف خلفها بلا شك جشع المؤسسات الفنية الساعية للربح السريع من خلال ترويج تلك الأغاني المصورة في (الكابريهات) والتي تقدم الإغراء الفاحش، لكنها (هذه المؤسسات) لا تدعم أغاني الأطفال لقلة مردودها المادي. أما السبيل للخروج من هذه الدوامة، فهو صعب لكن ليس مستحيلاً، نحتاج اليوم لميثاق (شرف) يعلي من القيم التربوية والقومية والقيمية المستمدة من ثقافتنا العربية، تلتزم به مختلف فضائياتنا العربية في تعاملها مع الطفل العربي وما يبث على شاشاتها، إما هذا أو.. فلنترك الطفل العربي تتقاذفه رياح الخراب، تحت اسم التطور!

مشاركة :