هذه الرمادية الكثيفة تُنْذِرُ بالكثير حتى وهي من ألوان المطر .. قِلّةٌ من يَحذر المطر! تَشيعُ منها ريبة مفخخة مثل شيء مدهش المظهر وسري الباطن.. أو أنها هلام فلا شيءٌ مرئيّ جداً ولا مُعْتِم بالكامل، هذه هي المكيدة المتربصة. تبدأ على هذا النحو ففي بعض الأحيان تُصاب الثِقةُ بخدرٍ مُفرِط، وحدسك وحدهُ لا يكفي لِتعبُرها بسلام أو لِتقف في المنتصف وتَتَبادلُ مع أحدهم حديثاً وقِصصاً طويلة بينما يلفكم الرماد ويزاد. حتى وأنت قد عبرت هذا الطريق عشرات المرات السابقة، وحَفظتَ عَدد أعمدة الإنارة، وأين وَضَعت الجارة إصيصها الجديد، ومكان الرصيف المخلوع عند الزاوية.. حتى مع هذه فالمكيدة تتربص وإن بدت أصغر ! لذا وازِ سوراً قائماً، واخفِض صَوتكَ، وواصل مسيرك. تقول جدتي: لا تظهر كأنكَ أَعزل.. هُناك من يُخفي بين ثِيابه رِمحاً. ولا تظهر كأنكَ مُنْدَفع فوق العادة.. فليست الأرض تحتكَ كلها صلبة. فمُطلق الثقة كمن تلقى صوتاً أكيداً بأن الجسر المُعلّق حتى الضِفّة الأخرى مبتور، ولكنه كان يَتقدم أسرع، ويُلقي بالصوت خلفه، ويضحك مزهواً وملوحاً بيده. ومن هنا تَتكشف الضحالة، ويَبِينُ هِزل الوعي وقواه الركيكة التي يتوجب أن لا يَعْترِيها السهو واللّبد.. فإن هذا التجانب يُسدي لك مَعروف حَصانة وقومية متحدة من الذات مع ذاته. دوماً كنا نعلم أن سِلاحُ العلم والحِنكة عندما يتحدان تتشكل القوة والحذاقة، وتتشكل تِباعاً الوَثبة نحو مَسلكٌ حقيقي الركيزة ومنيع، لأن أسواء الخُذلان أن تخذُلَ نفسكَ بنفسك وأنت تعلم، المَكيِدة ُتأتي وأنت مُعتّدٌ أكثر مما ينبغي.
مشاركة :