النظام النقدي الدولي المضطرب «1 من 2»

  • 9/12/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يجب أن نستعد لمرحلة تحول قد تكون مضطربة نحو نظام نقدي دولي أكثر أمنا وكفاءة، لقد مر النظام النقدي الدولي بعديد من التحولات خلال القرنين الماضيين، حيث تحول من نظام الذهب إلى ترتيب أسعار الصرف المرنة الحالي. ومع ذلك، كانت هناك سمة ثابتة، وهي أن النظام غالبا ما كان خاضعا لهيمنة عملة واحدة. حتى الحرب العالمية الأولى كانت تلك العملة هي الجنيه الاسترليني. وبعد حقبة الدولار والجنيه الاسترليني المضطربة في فترة ما بين الحربين العالميتين، تفوق الدولار في نهاية المطاف بعد الحرب العالمية الثانية. واستمرت هيمنة الدولار بعد نهاية قاعدة الصرف بالدولار التي أسسها اتفاق بريتون وودز، كما خرج من الأزمة المالية العالمية أقوى من ذي قبل. وفي الوقت نفسه، بدأ في الظهور منافسون جدد مثل اليورو والرنمينبي. فكيف ستنتهي هذه المنافسة النقدية الجيوسياسية؟ وكيف ينبغي أن نستعد لها؟ بالبحث في دروس التاريخ، يمكننا تتبع السيناريوهات ووضع خطط الطوارئ للمرحلة المقبلة من النظام النقدي الدولي. إن هيمنة الدولار اليوم تجعل من الولايات المتحدة بنك العالم، وبالتالي، فإن الولايات المتحدة تتمتع بامتيازات هائلة، على حد تعبير فاليري جيسكار ديستان، وتتحمل مسؤوليات هائلة أيضا. فهي، بشكل مباشر أو غير مباشر، مورد الأصول الآمنة والسائلة الرئيس لبقية العالم، والجهة المصدرة للعملة الرئيسة المستخدمة في الفواتير التجارية، والقوة العظمى في السياسة النقدية العالمية، والمقرض الأخير الرئيس. وهذه السمات يعزز بعضها بعضا. فاستخدام الدولار كعملة رئيسة في الفواتير التجارية يجعل الاقتراض بالدولار أكثر جاذبية، وهو ما يجعل بدوره التسعير بالدولار أكثر جاذبية. والدور الذي تقوم به الولايات المتحدة كمقرض أخير يجعل الاقتراض بالدولار أكثر أمانا، ما يزيد بدوره من مسؤولية الولايات المتحدة في أوقات الأزمات. وكل هذه العوامل تعزز الوضع الخاص للولايات المتحدة. ولا يعني هذا أن كل شيء على ما يرام في النظام النقدي الدولي الذي يقوم فيه الدولار بدور محوري. فهناك طلب عالمي متزايد وعلى ما يبدو نهم على الأصول الآمنة، أو الأصول التي لا تنطوي على مخاطر خسارة عالية عبر جميع أنواع دورات السوق. وأدى النقص الناتج عن ذلك في الأصول الآمنة إلى انخفاض أسعار الفائدة على الاستثمارات الخالية نسبيا من المخاطر إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، كما نشأت عنه تحديات عالمية خطيرة ومستمرة لكل من الاستقرار الاقتصادي الكلي "من خلال زيادة احتمال بلوغ النطاق الأدنى الصفري"، والاستقرار المالي "من خلال دفع المستثمرين إلى اللجوء إلى الرفع المالي وتحمل المخاطر للوصول إلى العائد". ويجد ذلك أيضا الظروف المؤاتية لمعضلة جديدة تسمى "معضلة تريفين" فعلى المدى الطويل، يتمثل السبيل الوحيد الذي تستطيع الولايات المتحدة من خلاله استيعاب هذا الطلب العالمي المتزايد على الأصول الآمنة في تسخير جميع قدراتها المالية العامة والمالية لهذا الغرض، ما قد يضعف ثقة المستثمرين بالدولار ويؤدي إلى تقلبات وأزمات تتحقق من تلقاء نفسها. وهي آلية مماثلة، توقعها قبل عقد من الزمان روبرت تريفين الاقتصادي البلجيكي، أسقطت نظام بريتون وودز من خلال إجبار الولايات المتحدة على التخلي عن الذهب وتعويم الدولار بعد حركة مضاربة ضد عملتها.

مشاركة :