استكمل (مختبر الفلسفة والفكر النقدي) عقد جلساته الفلسفية، يوم الاربعاء 25 سبتمبر 2019 بمقر دار فراديس، متخذاً كتاب (العالم الشرقي) لهيغل مدخلاً للنقاش هذه المرة. والجدير بالذكر أن سبق لـ (مختبر الفلسفة والفكر النقدي) أن ناقش الجزء الأول من مثل الكتاب الذي عنون بـ (العقل في التاريخ)، حيث يشكل (العالم الشرقي) الجزء الثاني منه؛ وفقاً لطريقة ترتيب المترجم للمؤلف الأصلي (محاضرات حول فلسفة التاريخ). بدأ النقاش بتحديد أن التاريخ عند هيغل ما هو إلا تطور الروح زمانياً، ايّ أنه السيرورة الزمنية لتطور الروح، وتشكلاتها، وتبدلاتها. إن ذلك، من الوهلة الأولى، يحدد المثالية الفلسفية التي تدمغ الفلسفة الهيغلية ككل؛ ولا يجب، حسب هذا الرأي، أن نقع في فخ وضع أية تفسيرات فلسفية مادية لما قد يبين، أو يظهر نفسه، كعنصر مادي لدى فكر هيغل. ورغم أن هيغل يرجع إلى التحديد الجغرافي إلا أنه يقوم بذلك وفقاً لحالة تطور الروح ككل. إن خطأ المفكرين، مثل لينين، يكمن في اعتبار أي شيء مادي في فكر هيغل. جوبه هذا الرأي بتوضيحات عامة حول طبيعة العلاقة التي تجمع فلسفة هيغل بالتاريخ: هل موضوع هيغل الأساسي، حين يكتب عن التاريخ، هو التأريخ نفسه؟ أم تأريخ الروح، كأنه يسرد تاريخية الروح؟ الجواب لا يكمن في لا هذا ولا ذاك وهذا التأرجح لا يمثل سوى سوء فهم حقيقي لهيغل، حيث إن موضوع هيغل هو مفهوم التاريخ نفسه. إن الطريقة المنطقية لتطور مفهوم التاريخ توجد بشكل محض في كتاب (المنطق)، ولا يشكل التاريخ سوى التعبير المنطقي عن مفهومه. لا يمكن لأي أحد أن يفهم هيغل، ولا تاريخه، دون أن يكون قد فهم وقرأ (منطقه) اولاً. وراح هذا الطرف في التأكيد على الدقة المفهومية المستعملة عند هيغل، فلا بد من التفرقة ما بين مفهوم العقل من جهة ومفهوم الروح من جهة اخرى؛ حيث لا يتحدث هيغل عن تطور الروح في التاريخ، وذلك لن يشكل إلا سوء فهم بالغ لما يطمح هيغل إليه، بل عن التفهم الروحي للتاريخ نفسه. ومعنى ذلك هو الروح في التاريخ هو وعي التاريخ بذاته (أو بفهومه)، ايّ الوعي الذاتي بعقلانية (أو عقلية) التاريخ. كما واصل هذا الرأي بالتأكيد بأن هيغل مثالي لا لأنه يتحدث عن الروح، كما إن الماديين ليسوا بماديين لأنهم يتحدثون عن (المادة) كالجغرافيا مثلاً. إن السبب الفعلي الوحيد الذي يجعل مفكراً مثل لينين أن يقرأ هيغل، وهو في غمار الحرب العالمية وبصدد تأليف كتاباً حول الإمبريالية، هو أساساً لفهم السلف الفلسفي الكامن في نص (رأس مال) ماركس، ولما كان هيغل هو ذاك السلف فلا يمكن، كما شدد هذا الرأي، أن نفهم مادية ماركس دون أن نفهم أولاً ما الذي اثار اهتمامه بهيغل أساساً. والطريقة الوحيدة لاكتشاف ذلك هي عبر تحديد خطوط الفصل ما بين النزعات المادية والمثالية في فلسفة هيغل؛ وذلك لا يعني أنه يعتبر بأن الأخير مادياً على الإطلاق. إن اتهام هيغل بالمثالية هو صحيح، ولكن طريقة عرض ادلة هذا الاتهام هي خاطئة تماماً. من هذه النقطة فصاعداً أخذت الآراء تنصب في موقف هيغل القومي من الأعراق الأخرى كما هو معروض في هذا الكتاب بالتحديد، وبالتالي طريقة تناوله لمختلف الحضارات (كالصينية، والعربية، والفارسية، والفرعونية، والهندية) عبر تهميشها أو الافتراض بأنها تقع في المستويات الأولية والبدائية من التطور الحضاري البشري، ناهيك عن موقفه تجاه حضارات السود. وفسرت هذه الآراء، في سير الجلسة، بأنها راجعة إلى طغيان النظرة الاستشراقية حينها، وربما هذه النظرة (بما إنها الطاغية) قد أثرت على التكوين الأورومركزي لفلسفة هيغل؛ حيث انتهى به الأمر أن يحسب بأن أوروبا هي غاية الحضارة نفسها. وفي هذا الخصوص تم ذكر التشابه الضمني ما بين ارتقائية هيغل واوغست كونت. انتهى النقاش بتذكير الحاضرين أن (مختبر الفلسفة والفكر النقدي) سيستمر بجلساته الفلسفية الشهر القادم في الثلاثين من اكتوبر وسيكون كتاب (أطياف ماركس) لدريدا موضوع نقاش الجلسة القادمة، ويمكن عبر موقع المختبر في وسائل التواصل متابعة تفاصيل الفعالية.
مشاركة :