عقد (مختبر الفلسفة والفكر النقدي) في لقائه الثاني بتاريخ 30 أكتوبر في مقر المنبر التقدمي جلسة حوارية حول كتاب (الليفاثيان) لتوماس هوبز. ودارت مناقشات مستفيضة حول الفلسفة السياسية لدى هوبز المذكورة في كتابه موضع المختبر، تمحورت حول حياة الفيلسوف الشخصية التي قد تُفهم بأنها وفرت التربة الفكرية المناسبة لنشأة فكره السياسي، كما تم تناول مواقف الفيلسوف السياسية التي انعكست على أفكاره المطروحة والواردة في نظرية العقد الاجتماعي. كان هناك اتفاق عام بأن فكر هوبز، على الرغم من بساطته وسهولة هضمه، يبقى فكرًا إشكاليا، لا سيما حين نكون أمام الواقع التاريخي للثورة الانكليزية في 1642 في المثل الوقت الذي نكون فيه أمام واقعنا العربي الراهن؛ أهو فكر يصح شرقًا ويبطل غربًا؟ أم يجد لنفسه معنى أقوى من هذا اللا-تزامن التاريخي؟ قسمتْ هذه الأسئلة المشاركين، فهناك من أيد أن فكر هوبز السياسي يصلح شرقًا بما إن العالم الشرقي اليوم، ولا سيما بعض مناطق عالمنا العربي، يشهد تدهورًا وتقهقرًا في المجتمع المدني لصالح الإنفلات السياسي واللامركزية السياسية. وهناك من رأى بأن على فكر هوبز أن ينظر بمنظورين: راهني وارتجاعي، فمن جانب تشكلت الفلسفة الهوبزية في الحرب الأهلية الانكليزية التي شهدت انقسامًا شرسًا ما بين البرلمانيين والملكيين التي انتهت بإعدام الملك شارل الأول، أو ما يسمى بانقلاب كرومويل (اي من ظروف تشكل الدولة البورجوازية الحديثة). ومن جانب آخر، نجد أنفسنا أمام نص يفتح أفقًا جديدة لقراءة نظريات العقد الاجتماعية (أي أمام احتمالية ممارسة جديدة للفلسفة). تعمق النقاش بعد ذلك في أساسيات ومبادئ النظرية الاجتماعية لهوبز، فإن الحالة الطبيعية للبشر - حسب هذه النظرية - هي ليست سوى حالة يكون فيها الجميع ضد الجميع، حالة عدوانية وتنافسية تخلو من أي عوائق أو موانع لممارسة أي فرد من الأفراد حقه في الاستيلاء والسيطرة، حالة تفتقد فيها أي أخلاقية، أو عدالة، أو حقوق. ما يحد هذا التنافس الشرس ما بين البشر هو لا أن يوجد مجتمع العقد ما بين الناس وحسب، بل أيضًا طرف ثالث خارج العقد ولا يتقيد به إطلاقًا، بل وظيفته هي الحفاظ على، وضمان، بقاء العقد وعدم انفساخه، هذا الطرف هو: الدولة أو الليفايثان. هنا نشهد الانتقال من حالة الجميع ضد الجميع (الحرب) إلى حالة الجميع مع الجميع (السِلم). في ضوء هذه المبادئ النظرية تمت مناقشة القراءات الحديثة لفكر هوبز الاجتماعي، ومنها قراءة الفيلسوفة حنا آرندت لمفهوم الليفايثان بوصفه الشكل الأول لما يسمى «بالامبريالية السياسية». توجه بعض من المشاركين في نقد هذه الفكرة تحت حجة أنها تسقط على هوبز أشياء لا يتحملها هو ولا كان من الممكن أن يتنبأ بها أبدًا، كما إن توجه البعض في نقد التفسير الماركسي التقليدي لهوبز بكونه قد أسس نظرية تشبيهية لمرحلة الرأسمالية التنافسية، حيث يكون فيها «الجميع ضد الجميع». إن فكر هوبز، برأي هؤلاء الذين توجهوا بالانتقاد، مرتبط بالظروف الملموسة للدولة الانكليزية في القرن السابع عشر ودورها البارز في تمهيد صعود الرأسمالية وتعززها. تواصل تبادل الآراء إلى تحديد التشبيهات الممكنة التي تكررت في الفلسفة الحديثة للهيئة الشمولية لما يسمى «المطلق»، فهناك هوبز مع الليفايثان المطلق، وهيغل مع الروح الشاملة، وسبينوزا مع الإله المطلق اللانهائي. بينما في الطرف الآخر هناك ممن لم يتفق مع هذا التوحيد الفلسفي لفلاسفة يختلفون في طموحاتهم وأفكارهم الفلسفية، ولا سيما أن تعريفاتهم للإطلاق والشمول تختلف كليا عن بعضها البعض. الجدير بالذكر أن (مختبر الفلسفة والفكر النقدي) قد دشن انطلاقته بجلسة حوارية حول كتاب (قضايا المادية التاريخية) لأنطونيو غرامشي في 25 سبتمبر، ومن المؤمل أن تستمر جلسات المختبر بشكل شهري في مقر المنبر التقدمي والدعوة مفتوحة للجميع.
مشاركة :