كثيراً مايعقد بعض العلماء البيولوجيين مقارنة بين الإنسان، وبعض الثدييات العليا، مثل الغوريلا والشمبانزي من حيث القوام ورعاية الأطفال، وبعض السمات الاجتماعية الأخرى مثل حب التقليد والمحاكاة والغيرة. وقد التبس ذلك على بعض الناس فقالوا إن القرَدة لها صلة بالإنسان!! وهذا بالطبع خطأ جسيم، فالإنسان هو أرقى الكائنات الحية. وهو حيوان ناطق مفكر يمتاز عن جميع الحيوانات الأخرى بقدراته الفكرية والتخيلية التي لا يضارعه فيها أي كائن آخر. وإذا نظرنا إلى الإنسان من حيث المادة التي يتكون منها، فهو عبارة عن كمية من اللحم والعظم والدم كبقية الحيوانات الأخرى، كما أن العناصر التي يتكون منها الجسم البشري هي عناصر محدودة في عددها، ورخيصة في قيمتها، لا تساوي إلا ريالات قليلة. ولكن الإنسان أكثر قيمة وأرفع مكانة من حيث حقيقته وإمكانياته، فهو عالم هائل من الطاقات التي تدفعه في معترك الحياة. وما أصدق الحكيم أو الفيلسوف ولعله ابن سينا الذي قال:- وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر. وقد خلق الله الإنسان بحيث يحتوي على جانبين أحدهما الجانب الدافع، والآخر هو الجانب الموجه. فالجانب الدافع هو مجموعة غرائز الإنسان وحاجاته العضوية. وأهم هذه الغرائز هي: غريزة البقاء، وغريزة النوع، وغريزة التدين. أما حاجاته العضوية فتنحصر في مأكله ومشربه ومسكنه وقضاء حاجته. أما الجانب الموجه فهو العقل.. هذا العقل الذي جعل الإنسان أرقى المخلوقات قاطبة، به يدرك الإنسان الفرق بين الخير والشر، ويربط مابين الوقائع والأحداث، وما يتعلق بها من معلومات سابقة. وهذا يعني أن العقل والإدراك والتفكير شيء واحد، وهو نقل الإحساس بالواقع إلى الدماغ مع معلومات سابقة تفسر هذا الواقع. والإنسان يتلقى سيلاً من المعلومات يمكن أن نسميها معرفة تراكمية غير منظمة. لذلك يحتاج هذا الإنسان إلى تنظيم هذا السيل الجارف من المعلومات بشكل منهجي منظم حتى يستطيع الاستفادة منها. ويمتلك الإنسان حوالي مئة مليار خلية عصبية في دماغه، ولذلك لابد من انتقاء هذه المعلومات من حاسوبه البشري، والاستفادة منها من أجل خيره وخير مجتمعه. وصدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال: " لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وأين وضعه" والله تعالى أجل وأعلم. وهذا هو السبيل القويم لحسن الاستفادة من القدرات التي وضعها الله عز وجل في الإنسان في كل زمان ومكان. إن الإنسان يمكن أن يصل إلى أسمى مراتب النجاح إذا كان يسعى إلى مصلحة دينه ونفسه وأسرته وبلاده. كما أنه يمكن أن ينحدر إلى أدنى مراتب الفشل إذا كان يسعى إلى تحطيم ذاته بأي وسيلة تجعله يخرج عن إنسانيته، وعن رسالته السامية في الحياة!!
مشاركة :