روسيا تتحرك نحو روسيا - د. مطلق سعود المطيري

  • 10/26/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

خبر اعلان زيارة الرئيس الروسي بوتين لمصر يفتح باب التوقعات لشكل التحالفات الجديدة في المنطقة في المرحلة القادمة، فالقاهرة التي كانت تزعج روسيا بتقاربها مع واشنطن، اليوم غدت تزعج واشنطن بتقاربها مع روسيا، هذا التغير الواضح يجب أن يقرأ من منظور روسي فقط ونبعد عن المنظور الأمريكي الذي حبس دوره بتقديم المشورة عن بعد، لاعتبارات سياسية داخلية امريكية عبرت عنها التسريبات الاستخباراتية الأخيرة التي خرجت من واشنطن فالتحالفات الجديدة اليوم تبنى على قواعد سياسية جديدة، لم تعد الدولة بها القطرية المستقلة حاضرة في هذه التحالفات ولكن الذي يحضر الآن شكل الدولة المتوقعة، ففي مصر وليبيا وتونس واليمن لم يكتمل بعد شكل الدولة القانوني والسياسي بعد وهنا خطورة قيام التحالفات الجديدة لأنها تقوم على فكرة الدولة وليس على الدولة، وهنا مكمن فاعلية الدور الروسي فموسكو تملك خبرة انهيار الدولة وقيامها من جديد، ففي التسعينيات انهار الاتحاد السوفييتي وتفكك، واستطاعت موسكو وريثته أن تحافظ على الحد الادنى من قوته العسكرية والانتاجية وبعض أوراق تحالفاته السياسية القديمة التي بدأت الآن تعيد قراءتها من جديد وكأن الاتحاد السوفييتي لم يتفكك سياسيا، فموسكو تكمن قوتها السياسية اليوم بمستودع المعلومات الكبير الذي ورثته عن الحزب الشيوعي، فروسيا تقرأ التحولات في المنطقة وفقا لمعلوماتها السابقة التي جمعت بدقة اثناء استقلال بعض الدول العربية وتشكيل الاحزاب اليسارية فيها، فالعرب مثلما هو معروف عنهم ثقافيا وحضاريا أمة لا تبتعد عن تاريخها عندما تريد أن ترسي شيئا جديدا في المستقبل، وتاريخ العرب الحديث حفظته دوائر الاستخبارات الروسية الذي ربما تعيد بيعه على العرب من جديد. موسكو الآن ثبت انها الجاسوس رقم واحد في العالم الذي يعرف أن يحمي نفسه من الاختراق وكل جيوب عملائه وخصومه مفتوحه له، هذا الشيء جعل من روسيا تجيد اللعب على المكشوف، فهي لا ترسم سياستها على شيء محتمل تفرضه الرؤية الأكاديمية التحليلية، ولكن على اعتبار مهني يتعامل مع الأشياء بشكل وجودها الفعلي وليس باحتمال وجودها المحتمل، وهذا الشيء عندما أرادته واشنطن انفضح أمرها فخلافاتها الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي جاءت بسبب تهورها في عملها الاستخباراتي فقد راقبت دول اوروبا من المكان الذي يجب ان تبتعد عنه فتركيزها على القيادات الاوروبية المحصنة بأدوات وقائية جعل من انكشاف أمرها شيئا بسيطا، فواشنطن في فضائحها الأخيرة انكشفت طريقة جمعها للمعلومات فهي تعتمد على نفسها فقط فزرعت تقنيات المراقبة التكنولوجية - بدلا من زرع البشر – الأمر الذي جعلها تشبه أي شركة كمبيوتر في العالم، تنتج تطبيقات جديدة وتحارب فيروسات الكترونية وعندما واجهت أول عملية تسريب لم تستطع أن تعاقب جهاز الكمبيوتر الذي فضحها، أما روسيا فتعتمد على الانسان وحاسته البشرية في الحصول على المعلومات التي تريد، فعندما قام عميل الاستخبارات الامريكية سودن في كشف اسرار واشنطن، استقبلته موسكو ككائن بشري ضحى في حياته من أجل خدمة الحقيقة، وهنا الفرق بين سياسة يصنعها الكمبيوتر وسياسة يصنعها الإنسان. فموسكو التي ظل الاتحاد الأوروبي ينظر اليها على امتداد عشرين عاما كنظرة الانسان لديناصور منقرض، له وجود قوي في التاريخ ومنعدم الفائدة في المستقبل بسبب قراءة محتويات الكمبيوتر الامريكي بدون اعتبار لفكر الانسان الاوروبي، اليوم تدفع اوروبا ثمن هذه الرؤية بعد أن صدقت تماما تطبيقات الحاسب الآلي في العمل السياسي، أما العالم العربي فقد يكون التاريخ ورطته في المستقبل مثلما كان ورطته في الماضي، وموسكو تتحرك نحو موسكو إن أرادت التدخل في العالم العربي أو أرادت أن تفهم الاتحاد الأوروبي.

مشاركة :