تكثّفت المساعي الإقليمية والتحركات الدولية في الأيام والساعات الأخيرة بشأن الأزمة الليبية، التي تسير كلها في اتجاه الدعوة إلى وقف العمليات القتالية والحد من العنف مقابل دعم الحل السياسي، لكن يبقى التساؤل الأهم يتمحور حول مدى استعداد طرفي الصراع في ليبيا، للعودة إلى الحوار والمفاوضات بعد كل التهديدات والاتهامات المتبادلة، وسيل الدماء التي نزفت. ويترافق كل هذا مع تزايد التصعيد العسكري، واشتداد المواجهات المسلحة بين قوات الجيش الليبي وقوات حكومة الوفاق للسيطرة على العاصمة طرابلس، حيث يسعى الجيش إلى التوسع الميداني في مناطق الغرب الليبي، بينما تكافح الوفاق للدفاع على مواقعها ومناطق نفوذها التقليدية. وعلى ضوء ذلك، بدأت الجهات الفاعلة إقليميا ودوليا في الملف الليبي تحركات واتصالات واسعة النطاق بشأن الأزمة غير المنتهية، حيث تشهد عواصم عربية وغربية اجتماعات مكثفة حول هذا الملف، آخرها لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، اتفقا خلاله على الدعوة إلى وقف إطلاق النار في ليبيا، بدءا من منتصف ليل الأحد المقبل. وتزامن ذلك مع اجتماع ضم وزراء خارجية مصر وفرنسا وقبرص واليونان في القاهرة، اتفقوا خلاله على دعم مسار برلين للوصول لتسوية سياسية شاملة في ليبيا وحرصهم على تجنب التصعيد. وجاء ذلك، بعد عقد الاتحاد الأوروبي اجتماعا في مدينة بروكسيل البلجيكية مع وزراء خارجية كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، أسفر عن بيان مشترك دعا إلى وقف العمليات القتالية والالتزام بالقيام بجهود لإرساء الحوار السياسي، ومع تحركات دبلوماسية تقوم بها دول الجوار لاحتواء الوضع، حيث تبذل كل من الجزائر وتونس مساع لإنهاء التصعيد العسكري. في المقابل، تقود ألمانيا حراكا دبلوماسيا لعقد مؤتمر خاص بالأزمة الليبية تحت اسم "مؤتمر برلين"، من أجل تقريب وجهات النظر بين الدول الفاعلة في المشهد الليبي، والحصول على ضمانات بعدم التدخل ودعم الأطراف الداخلية المتصارعة عسكريا والدفع بالعملية السياسية نحو السلام، وتأمل أن يكون هذا المؤتمر بداية الطريق نحو الحل. وتعليقا على ذلك، اعتبر المحلل السياسي، فرج فركاش، أن مذكرة التفاهم الجدلية التي تم توقيعها بين الرئيس التركي أردوغان ورئيس حكومة الوفاق السراج، حركت المياه الراكدة في الأزمة الليبية منذ الحرب الدائرة حول طرابلس والتي خلفت ضحايا من الطرفين وقتلت مئات المدنيين، مشيرا إلى أن هذه التطورات دفعت بكل القوى الفاعلة الخارجية في الأزمة الليبية لمحاولة احتواء الأزمة مع احتمالية تدخل عسكري تركي على الأرض. الاتفاقية كذلك حثت الاتحاد الأوروبي إلى المسارعة في إعلان مبادرة في محاولة قد تكون استباقية لقطع الطريق على المبادرة الروسية التركية. ويرى فركاش في تصريح لـ"العربية.نت"، أن كل هذه المبادرات الإيجابية الداعية لوقف إطلاق النار، تصب في صالح إنجاح مؤتمر برلين الذي أعلنت القوى الخارجية تأييدها له، والذي قد يقوم ببلورة هذه المبادرات في ورقة واحدة تلزم وتضغط على الأطراف الداخلية لوقف التصعيد والعودة للعملية السياسية التي تشرف عليها بعثة الأمم المتحدة، وتتحصل من خلالها الأطراف الليبية والدولية على الحد الأدنى من مطالبهم المعلنة وتضمن فيها بعض مصالحها. وحول مدى رضوخ الأطراف الداخلية لهذه المبادرات الدولية والالتزام بتطبيقها بعد فشل مبادرات مماثلة، أكد فركاش أن حكومة الوفاق أعلنت موافقتها على أي مبادرة تؤدي إلى وقف إطلاق النار، بينما سيحتاج قائد الجيش الليبي خليفة حفتر إلى ضمانات أن حملته العسكرية على طرابلس جاءت ببعض النتائج، منها مثلا ضمان حل الميليشيات، وربما تغيير محافظ مصرف ليبيا المركزي، وبقاء تمركز قواته حيث تتواجد الآن، وذلك قبل دخوله في أي تسوية سياسية.
مشاركة :