في داخل كل منّا زوايا غير موقوتة لا يختار متى تنفجر.. أو متى تهدأ.. ولا يختار أيضاً أن يُغلق مسارات تحولها أو غضبها ليفتح فقط ذلك المسار الهادئ.. والرايق والذي مهما تحركت فيه بمختلف الأوقات لن تجد ما يزعجك أو يكدر صفوك أو ينقلك من حالة إلى حالة معاكسة ومختلفة.. ينفصل فيها تيارك الكهربائي الشخصي والذي يمدك بالهدوء والسكينة وتتحول إلى شخص آخر "فاصل شحن".. ومنفصل عن عقله أو ذهنه وبعيد عن طريقة تفكيره المعتادة والهادئة..! تغضب وتتوتر ربما هو المعتاد في الغضب.. وربما هي ضريبة الحياة اليومية التي تحاصرنا بمشاكلها وهموهمها.. والأسوأ ضغوطها المباشرة والمفاجئة.. وتحولك إن كنت خارج السيطرة على نفسك أو من ذلك النوع الذي لايستطيع أن يتحكم في غضبه إلى وحش منفلت يضرب في كل الاتجاهات دون تركيز أو قدرة على ضبط نفسه أو إحكام أقفال تلك المنافذ التي يصب منها الغضب وتنطلق منها النيران لتحرق كل ما حولك.. تغضب فتفقد متعة الهدوء وراحة البال.. ولكن هل يتعمد الإنسان الغضب؟ هل يتعمد أن يذهب إلى التوتر بقدميه؟ منذ يومين اتفقت مع صديقة للذهاب إلى عزاء وكان لديّ عزاء آخر ذهبت إليه بعد المغرب ومن ثم خرجت منه وحدثت صديقتي أن تخرج من منزلها ونلتقي في نقطة قريبة من منزل العزاء لأنها لاتعرف المنزل.. منطقياً بيني وبين نقطة صديقتي شارعان رئيسي وفرعي وقبلهما نعبر الدوار.. يعني لايزيد الوقت الذي أصل به إليها على عشر أو سبع دقائق.. ولأننا في الطريق لانتحكم فيمن يقودنا فقد عبر السائق الجديد الدوار ومنه إلى طريق معاكس فيه حفريات والسير متوقف والخروج معدوم.. وتحتاج لأكثر من نصف ساعة لتعبر الإشارة التي تتوقف ثانية أو أكثر وتخضر ثانية.. لا أعرف كم مرة اخضرت والسير متوقف ولا يتحرك إلا ببطء شديد.. شعرت أنني مخنوقة وصديقتي بجانبي تقول ماذا لو تحولنا إلى مجانين وخرجنا نصرخ.. لم أجبها ولكن كنت أشعر بالاختناق والضيق ليس لأنني تأخرت كثيراً ولكن لأنّ السائق يتحمل الجزء الأكبر من الخطأ ولأن صديقتي التي معي تزيد توتري من خلال مفردات "لو" ما أدخلنا السائق هنا ولو السير مشى وكلها أمور الآن لا فائدة من استرجاعها أو إعادتها.. ولم يعدْ الرثاء للحظة يليق بما نحن فيه خاصة أنّ الأخرى التي تنتظرني بجانب الكوبري القريب من منزل العزاء اتصلت مرات عديدة وبغضب وكأنّ الطريق ملكي.. ومع ذلك تماسكت تحت وطأة خمسة محركات للغضب.. السائق والصديقة التي بجانبي والتي تنتظرني وهذا الطريق المتوقف.. وتلك السيارات الكبيرة التي تخنقني من اليمين ومن اليسار.. ولا معنى لشاحنات في شارع به مسارات وحفريات وكآبة..! تماسكت بعد مرور ما يقرب الساعة ونحن في مسار مختنق وصمت بعد أن طلبت من صديقتي التي بجانبي وترجيتها أن تهدأ وتروق لأننا لن نستطيع أن نغير واقع اللحظة كوننا ضمن مسار كامل ليس بإمكانه التغيير على الإطلاق.. فقط نستكين ونخضع لهذا الواقع حتى يتغير بهدوء.. ورغم محاولتها الصمت إلا أنها ظلت تقول نفسي أعرف لماذا الإشارة متوقفة؟ ولماذا الناس لا يتحركون؟ في الغضب الذي نتعرض له كحالة طبيعية كل يوم والذي هو كما يُقال عاطفة لدى جميع الناس للتنفيس عن انزعاجهم من أمر معين علينا أن نعود لتجاربنا السابقة في الحياة للتعلم منها ولمواجهة هذه العاطفة وكيفية التحكم فيها وإدارتها بشكل سليم من خلال اتباع بعض النقاط التي تساعد على إدارة عاصفة الغضب: - عند الغضب هدئ من نفسك تدريجياً.. لو كنت في المنزل الجأ إلى الصلاة وبالنسبة لي في السيارة الدعاء والاستغفار! - تعلم كيف تتحاور مع الناس.. واجعل حوارك بطريقة بناءة..! - حاول تحليل المشكلة التي أدت إلى الغضب لمعرفة سببه.. ولا تتخذ قراراً في أثناء الانفعال..! - قراراتك في أثناء الغضب ليست هي الحل الجذري للمشكلة..! - حاول أن تراجع نفسك في مواقف الغضب..! - التمس العذر للناس فربما يكون الطرف الآخر الذي أغضبك يعيش ظرفاً صعباً..! وأنا أختبئ تحت عباءة الهروب من مواجهة غضبي وهذا التعطيل الكئيب والتوقف الذي مرّ عليه ما يقارب دقيقة.. التمست العذر لصديقتي التي بدأت تفقد اعصابها من كثرة انتظارها وتتخيل أنني كنت أكذب عليها عندما قلت إنني في الطريق وعذرت صديقتي التي بجانبي لأنها تريد العودة لمنزلها لارتباطها بشيء ما.. وعذرت الشاحنات لأنها متوقفة مثلنا ولكن هل عذرت السائق؟ نعم رغم أنه فقد التركيز كعادته لكن "قدرالله وما شاء فعل".. إن كتب لنا الوصول سنصل وإن لم يكتبه لن نصل.. وليس بالإمكان الآن عمل شيء مختلف عما نحن فيه يحل المشكلة ولكن من خلال الآخرين.. هدأت ومن عادتي الهدوء رغم توتري السريع ولكن يظل توتراً معقولا ًومسيطراً عليه.. وصلت لصديقتي بعد ما يقرب من ساعة وربع وقابلتها بهدوء رغم هجومها الكاسح الذي سمعته بآذان لاتسمع وتفاعلت معه بقلب يعرف أصدقاءه جيداً ويقدر انفعالهم.. فقط بعد أن أنهت موشح ثورتها أمام أخريات في العزاء من الصديقات.. قلت لها ولا يهمك ولا يرضيني غضبك "مستقبلا ًعندما نخرج سأخترع طريقاً خاصاً لي بدون سيارات أخرى".. وبدون زحام.. حتى لا تغضبي أو خذيني بسيارتك وابحثي عن شوارع فارغة.. لا تفتح أبواب الغضب..!!
مشاركة :