الأرض اليباب

  • 6/7/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بعض القصائد عندما ينتهي منها الشاعر تصبح أكبر من الشاعر أو الأصح تصبح أكثر شهرة منه. قصيدة الأرض اليباب وفي ترجمات أخرى الأرض الخراب تبدو أكثر شهرة من الشاعر الإنجليزي ت. س. إليوت، وقصيدة الغراب متداولة في الخطاب الثقافي العالمي أكثر من تداول اسم إدغار- ألن بو، وكادت قصيدة سجّل أنا عربي للشاعر محمود درويش أن تصبح أكبر من اسمه، لكنه لم يسمح لقصيدة واحدة أن تختطفه وينتهي الأمر، ولذلك دُعي درويش قبل حوالي خمسة عشر عاماً ليقرأ شعراً في تونس، وجرياً على عادة الشعوب التي تسيطر على ذاكرتها قصيدة في حد ذاتها أخذ الجمهور قبل اقتراب نهاية الأمسية يطالب درويش بقراءة سجل أنا عربي، لكنه رفض وبلباقته الأخلاقية المعروفة عنه اعتذر للجمهور، وقال:سجل أنا هارب. ويعلق درويش على هذا الموقف قائلاً: إن هذه القصيدة قرأها أمام الحاكم العسكري الإسرائيلي في أثناء التحقيق معه، وقراءتها أمام الإسرائيلي والقول له سجل أنا عربي هما تأكيد على عروبته أمام الإسرائيلي، أما قراءتها أمام جمهور عربي فهو أمر مختلف. يقول إليوت، وهو واحد من أكبر عرّابي النقد الأدبي حتى في الثقافة العالمية بما فيها العربية: إن كل قصيدة في حد ذاتها يجب أن تكون حدثاً. ومن هنا تنشأ صعوبة الشعر. وربما في ضوء هذا المعطى الذي يراه إليوت، ذهب درويش إلى كتابة قصائد هي بمثابة أحداث.. أحداث شعرية بالضبط.. قفز من أمام الحاكم العسكري بخطوات واسعة، وسجل حدثاً في محاولة رقم ٧، وعندما خرجت المقاومة الفلسطينية من بيروت عام ١٩٨٣ كتب إلياذة الخروج الفلسطيني إلى متاهات النفي الإجباري في العالم.. يقول مطار أثينا يوزعنا للمطارات، وتلك الإلياذة هي مديح الظل العالي، ثم قفز إلى تل الزعتر، وقفزة أخرى إلى الجدارية، وهكذا، لم تسطر عليه قصيدة واحدة، ومن حدث شعري إلى حدث آخر، صاغ صاحب لماذا ترتكت الحصان وحيداً؟ أجمل سيمفونية فلسطينية سمعها كل العالم، وفي كل مرة يصغي العالم إلى صوت فلسطين في حنجرة درويش، كان الإسرائيلي يتلوّى حنقاً وحقداً على هذه الروح الفلسطينية التي تسري حيوية حتى في مسام الحجر. ترى.. لماذا كل هذه التداعيات؟ فقط.. من أجل توبيخ كلمة واحدة هي الاستسهال، وإلى جوارها كلمة أخرى: اللامبالاة. انظر اليوم إلى الصورة الحزينة لديوان العرب، وفكر في حجم الكتابة التي لا تشكل حدثاً، وفكّر أكثر بهذه الجرأة والتمادي فيها على هذا الديوان الذي هو تاريخ وجدان الإنسان العربي، ومدونته الحميمة. إن كثيراً من هذا الشعر يقيم في الأرض اليباب. yosflooz@gmail.com

مشاركة :