«أرغب بإعادة فتح الاقتصاد الأميركي في 12 من الشهر المقبل» قالها دونالد ترمب، رئيس الولايات المتحدة ولم تتفق جهات أميركية عديدة مع الرئيس الأميركي، في الإسراع بفتح اقتصاد بلاده سريعاً. فالأزمة (من وجهة نظر هذه الجهات) أعمق وأكبر أميركياً وعالمياً، طالما أن العالم لا يزال تحت رحمة وباء «كورونا» المستجد، الذي وضع الولايات المتحدة في مقدمة الدول التي «احتضنت» أعلى خسائر بشرية من جراء الوباء. في غضون أسابيع على تفشي «كورونا»، انتقل الحديث من كساد اقتصادي عالمي متوقع، إلى انكماش خطير مؤكد. انكماش بلغ في بعض التوقعات حد العشرين في المائة. والأمر لن يتوقف عند هذا الحد بالطبع. فطالما أن السيطرة على الوباء غائبة، فإن هذا الأخير سيظل متسيداً المشهد الإنساني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، صانعاً الأزمة تلو الأخرى، في هذا الميدان أو ذاك. المسألة واضحة أمام الجميع، والحكومات تعرفها أكثر من غيرها، لكنها لا تزال تفضل (حتى اللحظة) توصيفها على أنها «اقتصاد أزمة»، لكن في الواقع هي ليست أقل من «اقتصاد حرب» في زمن السلم. والأدلة لا تحتاج لمراقبين يمتحصون هنا وهناك. بعض الاقتصادات توقفت تماماً، وصارت الخسائر أشبه بـ«العدادات» على مدار الساعة. وتدخل الحكومات لنجدة القطاعات المختلفة، هو بحد ذاته الدليل الأقوى، على أن الاقتصاد العالمي يعيش حالة «حرب» غير معلنة. كل شيء بات في مسار نزولي، بصورة جعلت غالبية الحكومات حول العالم، تنسى العجز المالي الذي تعاني منه أصلاً، لتضخ ما أمكن لها من أموال في اقتصاداتها، سواء عبر إنقاذ شركات بعينها، أو من خلال توفير الرواتب والأجور، حتى لأولئك الذين طلب منه عدم العمل، والجلوس في منازلهم. ناهيك عن البطالة التي ارتفعت بين ليلة وضحاها، بفعل توقف الحراك الاقتصادي في كل ميادينه. إنه «اقتصاد حرب» بالفعل، حتى إن المتطوعين باتوا فجأة يشكلون قوة عاملة هائلة في بلدان عديدة، وفي مقدمتها بريطانيا. الآن، حزم التحفيز تحولت في وقت قصير أيضاً، إلى آليات إنقاذ اقتصادي، وهذا يعني أن الموازنات ستعاني من عجز هائل بحلول نهاية العام الجاري. المؤشرات كلها قاتمة، وسط ضغط نزولي على كل شيء. فالاستثمارات الأجنبية (مثلاً) ستتراجع، استناداً إلى منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»، ما بين 30 و40 في المائة، خلال العامين 2020 و2021. ناهيك عن الخسائر الكبيرة في ميدان الأسهم والسندات، وغير ذلك من قطاعات محركة للاقتصاد العالمي، بما في ذلك الصناعات المحورية والخدمات والنفط، فضلاً عن تعثر النشاط التجاري عالمياً أيضاً. الكل يتحرك، حالياً، لاحتواء هذه الخسائر التي لا تتوقف، بينما وصلت حزم الإنقاذ إلى تريليونات عدة من الدولارات (في الولايات المتحدة هي الأكبر في تاريخها)، إلى درجة أن دول اليورو، تفكر الآن في طرح ما يمكن تسميته «سندات كورونا». إنها الجائحة التي تذكر العالم بالأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة.
مشاركة :