محمد كركوتي يكتب: الاقتصاد في زحمة توترات جيوسياسية

  • 1/30/2023
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تمثل التوترات الجيوسياسية العامل الأهم في المشاكل الاقتصادية على الساحة العالمية، بالإضافة طبعاً إلى عوامل أخرى، مثل الحمائية، واضطراب سلاسل التوريد، وما يعرف بالإغراق، والخفض «المنهجي» لقيمة العملات، وغير ذلك. وأظهرت الحرب في أوكرانيا، كيف أن أنصاف الحلول للمشاكل الجيوسياسية لا توفر المخرج المستدام، بل تؤجل الانفجار أو التفاقم فقط. فلو تم التفاهم حول القضايا الخلافية في العقد الماضي بين روسيا ودول الغرب في المسألة الأوكرانية، ربما تجنب العالم حالياً حرباً هي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية. والأمر ينطبق على كل المناطق التي تشهد توترات جيوسياسية شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. فهي تنشر حالة عدم اليقين حتى في البلدان البعيدة عنها جغرافياً، وهذه الحالة تتصدر المخاطر التي يواجهها الاقتصاد العالمي ككل. صندوق النقد الدولي، يعتقد أن التوترات الجيوسياسية رفعت من حالات التشرذم السياسي بين البلدان. هذا الاستنتاج صحيح تماماً. فالتشرذم المشار إليه يولد بالتأكيد حالة عدم اليقين، وهذه الحالة تنعكس بصورة خطيرة على النمو، خصوصاً في الوقت الذي يحتاج فيه العالم لأي انفراج اقتصادي يبعده عن الانكماش أو الركود أو التباطؤ. النقطة الأهم حالياً، تتعلق بمدى استمرار النمو العالمي بصرف النظر عن مستوياته، على الرغم من أن المشرعين الاقتصاديين في المؤسسات الدولية المعروفة، يتوقعون أن يشهد ثلث الاقتصاد على المستوى الدولي ركوداً متفاوتاً بين خطير ومعتدل وطفيف. فحتى الاقتصاد الأميركي الذي كان من المتوقع أن يشهد انتعاشاً ما في العام الحالي، بدأت المؤشرات تدل على تباطؤ (وليس ركوداً) إلى نهاية العام. الوضع على الساحة الأوروبية ليس أفضل كثيراً، وإن بدأت بعض المؤشرات المشجعة ولكن بمستوى متواضع. ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية في آسيا وغيرها. الصين (ومعها الهند) تعانيان من انخفاض تاريخي للنمو فيهما، بينما كانتا مثالاً يحتذى به طوال العقدين الماضيين على صعيد النمو المرتفع. يعود كل هذا لعدم اليقين، إلى درجة أن صندوق النقد الدولي، بدأ في إعادة تعريفه لهذه الحالة، ليس عبر المعطيات الراهنة في الميدان فحسب، بل من خلال المفردات التي يستخدمها المشرعون الاقتصاديون في هذا البلد أو ذاك. فالمسألة صار لها «رابط لغوي»، من فرط تأثيرها في المشهد العام، بل وتغييرها لبعض المعطيات التقليدية. ولأن الأمر كذلك، صار من الأفضل أن يكون هناك تقييم أسبوعي (إن أمكن) لحالة عدم اليقين، لمعرفة المسار الذي تمضي فيه الاقتصادات المحلية وبالتالي الاقتصاد العالمي. قد يكون المقياس الأسبوعي غير واقعي في هذه المرحلة، إلا أن تقييماً شهرياً بات ضرورياً من أجل مواجهة أي احتمالات حيال الاقتصاد الدولي ككل. وهذا ما يراه مسؤولون في المنظمات الاقتصادية الدولية ضرورياً الآن أكثر من أي وقت مضى. التحولات الجيوسياسية والخلافات السياسية الأخرى، وحتى المتغيرات الاجتماعية، كلها عوامل تترك آثارها على الاقتصاد العالمي الذي لا أحد يعرف متى يعود إلى ما كان عليه قبل جائحة «كورونا» على الأقل.

مشاركة :