مع الحَجْر المنزلي الإجباري والتطوعي يجد الإنسانُ نفسه فجأةً وكأنّ العالم قد توقف عن النبض أو أن العالم يسير على رأسه بدلاً من قدميه. ما عادت الشوارع هي نفس الشوارع ولا الحياة هي نفس الحياة، وكأنّ زلزالاً فجائيًا بعثر كل شيء. اهتز كل شيء. سقط كل شيء أو بدأ يسقط ويتساقط. أصبح العالم، وربما لأول مرة، عالمًا له همٌ واحد. ذعر وهلع واحد ومصير واحد. كل شيء متوتر. بدأت ثقافة جديدة تدخل إلى يومياتنا، ثقافة الإعتكاف في البيت، ثقافة إجبارية وتطوعية من أجل الوطن، من أجل الناس. فما عاد الخارجُ يغري للخروج. أو الخارج أصبح مليئًا بالوحوش المفترسة. هذه الظروف أجبرت الجميع على تغيير عاداتهم وطقوسهم وسط هذا السام القاتل والفراغ المزعج وهم يلزمون بيوتهم لدحر أو على الأقل إبطاء انتشار هذا الفيروس القاتل. وسط هذا الضياع البيتي والتباعد الاجتماعي الذي يغوي الإكتئاب الذي ازدادت حالاته لأسباب عديدة منها احساس الخوف والهلع والعزلة والبعد عن الأحباء والتوقف عن عادات نشأنا عليها دهرًا كالعناق والتقبيل والمصافحة، ولكن هذا الحَجْر أصبح له جانب إيجابي يتمثل في عودة ثقافة القراءة مرة أخرى للإستفادة وزيادة المعرفة أو على الأقل لملئ الفراغ. القراءة سوف تفيد كثيرًا بدلاً من ان يجلس المرء مستغربًا ومتسائلاً السؤال الصعب عن كيفية إصابة أول شخص بالمرض ولم يكن هناك عدوى!كنت أتمنى ان لا يشمل إغلاق المحلات التجارية المكتبات فهي كالمطاعم تقدم الغذاء الروحي الذي نحتاج إليه جميعًا. فالقراءة تبعدنا عن الفراغ والملل والتوتر اليومي وتزرع بدلاً عن ذلك الأمل بدل اليأس والكآبة. كتب وروايات كثيرة تستحق القراءة أو إعادة القراءة. ليت المكتبات تقدم خدمات إلكترونية وتوصيل الكتب للمنازل مقابل مبالغ إضافية. أنها مهمة ثقافية ووطنية لمقاومة هذا المرض وتشجيع الناس على المكوث في بيوتهم والاستفادة بدلاً من قضاء كل الوقت في مشاهدة الأفلام عبر قنوات انتفلكس وغيرها، فهذه القنوات موجهة بطريقة خبيثة لزرع ثقافات خاصة ومفاهيم معينة في عقول الجيل الجديد، معظمها مصممة بطريقة تسهل غسل أدمغتهم وتدمير المناعة الوطنية والقومية في نفوسهم لزرع القيم التي يريدونها ان تسود كجزء من مخطط الشرق الأوسط الجديد بمفاهيم صهيونية جديدة. على المستوى الشخصي، فقد وضعت أمامي قائمة من الروايات الجديدة، وأيضا مشروعًا لإعادة قراءة البعض الآخر منها من تلك التي قرأتها أيام شبابي، فالقراءة الثانية للكتب بعد مرور وقت طويل من الزمن تمنحك متعةً خاصة. أنها الحنين إلى المرافئ الأولى التي شكّلت مفاهيمي وأفكاري وكياني ووجودي. قائمتي لإعادة القراءة تشمل روايات ديستوفسكي خاصةً وتولستوي وفيكتور هيجو وارنست همنجوي، وغارسيا والبير كاميه وسارتر والعديد من الروايات الأخرى إلى جانب مجموعة نجيب محفوظ ويوسف ادريس والطاهر وطار وعبدالله خليفة وآخرين. نحن نقرأ لنزرع الأمل ونحن في بيوتنا... نزرع الأمل لكل العالم. أنها العودة للمنابع القديمة!***ومضةنعتكفُ في البيتِ نضيء الليلُ في الظلمةِ يُحدّقُ فينا يبحثُ عن لؤلؤةٍ في دَفاتِرنا ليكتبَ عنّا قَصيدةAlqaed2@gmail.com
مشاركة :