قد تبدو القصة التي وقعت في قرية "العنانية" في دمياط المصرية بسيطة وساذجة في النموذج الشعبي للنتائج الدموية للدسائس وانعدام الثقة بين أبناء القرية. ولكنها بالمنظور الكبير هي نموذج لدسائس اخطر وجرائم أبعد من القرية لتتجاوز في نماذج أخرى بين أبناء الدول العربية. وتتلخص القصة في أن اشتباكات وقعت بسبب حساب وهمي دشن على "فيس بوك" باسم "المستخبي"، وأغلق فور وقوع الاشتباكات، ونشرت في الحساب صور وعبارات مسيئة لعدد من أبناء القرية وقعت على أساسها اشتباكات بين عائلتي "عوض" و"جوهر" وأسفرت عن مصرع اثنين وإصابة أربعة. وأضاف الشهود، أنه أثناء جلوس بعض أفراد العائلتين على مقهى بالقرية وتبادلهم العتاب على سبهم لبعضهم البعض على الفيس بوك تطور الأمر إلى الاشتباك. وتبادل الطرفان إطلاق الأعيرة النارية، ما نتج عنه مقتل اثنين وهما عطية جميل 34 سنة لقي حتفه بطلق ناري في البطن، ومحمد حسن عوض 30 سنة لقي حتفه بطلق نارى فى الصدر، وفر الطرفان من مكان الواقعة. وفي الشق العربي الكبير "المستخبي" يهدف الى أبعد من مقتل اكثر من اثنين في كل قرية، بل ونجد أن ضحايا الدسائس الرقمية باتت بالعشرات نتيجة زرع أو إيقاظ فتنة نائمة تحت رماد السنين. ولعل المتابع المنصف يجد البصمة الإيرانية وراء الكثير من الدسائس حتى على المقهى السياسي. ففي لبنان على سبيل المثال نجد ان الرئيس الأسبق امين الجميل يلمح الى الشرخ الكبير في الثقة بين أبناء طائفته المسيحية في الاتفاق على رئيس للبنان. ويُستثار كثيرا بأن اللبنانيين يحملونه تاريخيا استمرار مثل هذا الانقاسام والفشل، ولكن يردد "في فمي ماء" وسيأتي اليوم الذي يكشف فيه عن أوراق الدسائس، بل ويقول انه خلال سنوات حكمه وممارسته السياسية سعى لتجنيب المسيحيين تجرع "كأس السم" وهم لم يجلبوا له "كأس الماء". ولعل تلك مسلسل التدخل الإيراني السافر في الشأن اللبناني والدس بين الأطراف الطائفية بل وحتى بين الطائفة الواحدة مثل المسيحيين ما ذكره التسريب لتقرير من موسكو حول تدخل ايران السافر في دعم ميشال عون لمنصب الرئيس اللبناني على حساب التوافق المسيحي أو الطائفي. ولكن لأن عون يغني على نغمة زعيم الضاحية الجنوبية حسن نصرالله في الفرقة الإيرانية فالتضحية بالوطن في سبيل المصلحة أيا كانت. وهذا امتداد لنموذج الدسائس والتدخلات الإيرانية في لعبة "مستخبي" التناحر العربي والذي بات ظاهرا للعيان في أحيان كثيرة وينشر الفوضى بين الدول والأقليات والمذاهب وربما الأندية وغيرها من الأطراف المؤهلة لتنفيذ حماقة فقدان الثقة. وفي العراق قصص مماثلة وفي اليمن اكثر من ذلك ولعل تطاير الأحذية قبل الكلمات دليل على نضج الحوار ووجود الثقة. بل وفي عالمنا العربي قصص متتالية تجعل ساحة الاعلام التقليدي والاجتماعي ساحة حرب وإشعال فتيلها. و"المستخبي" أحد الشياطين الرقمية، فبعد أن كان لدينا شياطين الجن وشياطين الإنس، ظهر لنا تحالف بينهما وبين التقنية في ظرف عربي مناسب وسط أجيال جاهزة لتنفيذ "الرغبة الشيطانية". ولكن هل تؤخذ كل الساحات الرقمية وما يدور فيها من لاعب "مستخبي" بحسن النوايا؟ وهل ساحتنا السعودية بمعزل عن تلك الصور؟ أبداً ولعل الهجوم المعلوماتي واختراق الوثائق "غير عالية السرية" في وزارة الخارجية دليل على الف مستخبي يعبث ويبحث من اجل خلق البلبلة ودق الأسافين. وأعتقد ان الخارجية السعودية نجحت في الإعلان عن ذلك الاختراق ونجحت في تنبيه المواطنين والأصدقاء من الانجراف وراء موجة تمرير وثائق قد مرت على موائد التزوير والحقد فلن تسلم من التلوين. ولكن النجاح الحقيقي هو متابعة الامر بدقة وقتل كل خطوة للعدو الرقمي حتى يموت بغيظه. فيقظة المواطن وحب الصديق لن تسمحا بذلك. ولكن تلك الوثائق ستكشف لنا عن اكثر من حاقد وساحة حقد تلونت لسنوات حد كدنا ان نصدق دموع التماسيح منها، فايران لن تقف وراء التشويه بل تصر على هذا وباتت تنتج حتى الأفلام لتشويه المملكة وخدمتها للاسلام والمسلمين عبر مساعيها لاظهار ان اهل السنة أعداء أهل البيت رضوان الله عليهم والكل يعرف محبة اهل السنة لأهل البيت وانما هي بوابات فارسية تريد الولوج منها الى عقول السذج لجذب الجاهز منهم الى لعبة"المستخبي". كل هذه الامراض الرقمية تعكس واقعا عربيا قابلا للاشتعال بنار الفتنة، وأخشى ان تكون ردود افعالنا صوتية مثلما كانت عن وحدة مصر وسورية فولدت وماتت على يد اكثر من "مستخبي". ولكن على الأقل غنى العرب مع محمد قنديل ومع بيرم التونسي شعراً منغّماً تحول الى "مقبرة الندب": وحدة ما يغلبها غلاب تباركها وحدة احباب توصلنا من الباب للباب ولا حايل ما بين الاتنين ولا مانع ما بين الاتنين ولا حاجز ما بين الاتنين والنتيجة ماتت الوحدة ونحتفل اليوم بميلاد "المستخبي الطائفي" فلنطفئ شمعة ميلاده في عينيه حتى نبصر بعيوننا لا بعيون هؤلاء الطائفية.
مشاركة :