مصطفى الشيمى يكتب: المستشار الأول للإنسان

  • 6/9/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إنه الخوف الذى هجم علينا بأظافره مثل القطة الهائجة ، فلم يرحم أحدًا حتى أصاب الجميع ، هذا الشعور الذى ضرب الأجهزة العصبية ومراكز الشعور لدينا فأصبح تذوق العسل لا يختلف عن لعق حبات الملح ، حول بقوته  منصات التواصل الاجتماعى إلى سرادق عزاء ومكتب لتبرأه الذمة والعفو عن من أساءوا بعمد أو بدون، والقنوط لله بأدعية سيد الاستغفار، هذا الشعور جلب علينا دوافع كان يستحى الانسان أن يطرأ إليها فكرًا ، وأصبحنا نرى  ابن  يفر من استلام جثة والدته بعد وفاتها بكورونا، و أهالى قرية يتجمهرون  لمنع دفن طبيبة توفت بأعراض الكورونا ، وطبيبة أخرى تتعرض لمحاولة طرد من مسكنها لعملها في مستشفى العزل ، نفس الشئ لمن يشعرون بالأعراض ويخافون الجهر بها خشية التنمر أو العزل أو التعرض لنفس المصير من المقربين و المحيطين بهم ويكون وجودهم بين الأصحاء مثل الألغام  في وسط الشوارع.  الخوف هو المستشار الأوحد الآن ، فإذا لامسك أحدًا أو عبر بالقرب منك ابيض وجهك كبياض الميت  ويفيض العرق من جبهتك وتزيد ضربات قلبك  ، وتظل تراقب نفسك في اليوم ألف مرة وتستشعر في كل دقيقة عرض مختلف من أعراض الفيروس  ، فلا يوجد شيء أكثر رعبًا في العالم  الآن من أن يعطس في وجودك أحدًا ، حيث تصنف هذه العطسة  كأداة  اجرامية وانذار شديد اللهجة بتأكد الأصابة بالعدوى وما عليك أن تختفى كذوبان الملح في الماء من المكان الذى ارتكبت فيه هذه الجريمة ، خشية العدوى وانتقال الفيروس فلا يصافحنا أحدًا منا منذ شهور ولا نجلس في مكان به تيار هواء أو تكييف أو تجمع بشرى ، وتحولت أعيننا إلى مجهر إلكترونى لترى كل من يتجاوز خطوات التباعد مثل تاج الملك أو الهالة الشمسية نسبةً إلى شكل فيروس كورونا التاجى  المتعارف علية اعلاميًا  ، الأزمة أكدت أنه لا حد لمخاوف وهواجس  الإنسان ، ولكن هناك فرق بين المخاوف الطبيعية التي لا يخلو منها أي إنسان وبين المخاوف الغير مبررة التي يعانى منها البعض ، فالخوف شعورأ طبيعيًا لا ينقص منه الإنسان السوىَ ويكون دليل على استشعاره بالخطر واتزان العقل والشخصية حتى يكون هذا الإحساس صحى بشرط أن تكون هذه الحالة مؤقته تنتهى بنهاية الدوافع التي اشعلتها ، أما عدم نهاية الخوف حتى يصل إلى مرحلة الفوبيا التي  تتسم بالاستمرارية والتواصل و الوسوسة القهرية والشعور بنفس الآثار المرضية التي تقهر إرادة الإنسان وتضعف مناعته ومقاومته للمرض فعليه الابتعاد عنها والتحكم في بعض مخاوفه وتحويلها إلى شيئًا إيجابيًا لتفادى الأخطار. وبرغم كآبة الأحصائيات اليومية البائسة والقابضة ، فإن باب الأمل دائمًا مفتوح على مصراعية ، فقد تكون حساباتنًا جميعًا غير دقيقة رغم وضع كل صغيرة وكبيرة في الاعتبار ، ولكننا لم نضع في الحسبان الإرادة الإلهية ، والثقة بحسن اختياره لنا وأن أمر المؤمن كله خير وأن الإيمان يعيد على النفوس الكثير والكثير من طمأنينتها الهاربة ، ويجبرنا على التعايش مع الأزمة مع الأخذ بالأسباب والإجراءات الواجب اتباعها حتى نتجنب الإصابة ونقل العدوى ، فلا تحد من خوفك إذا كان في الحدود الطبيعية لتجنب الأخطار المحتملة أو المؤكدة ، حتى تتمكن من العمل والتفكير والتواصل مع الحياة والمحيطين .. ولا تخاف أو تخجل منهم أيضًا ، فقد عاش الموسيقار البولندى شوبان يساوره الخوف من أن يدفن حى ويجد نفسة حبيسًا  داخل صندوق معدنى تحت الأرض ويصرخ فلا مجيب ولا سامع ، حتى عاش يلح بين أهله وأصدقائه بألا يتعجلوا الأمور إذا بدا لهم أنه مات ، وأن يتأكدوا أولًا أنه ليس في غيبوبة مؤقته !

مشاركة :