فاجأتنا الأخبارُ مؤخرًا بإعلان فوز رواية «الديوان الإسبرطي» للكاتب الجزائري عبدالوهاب عيساوي بجائزة البوكر العالمية للرواية العربية في دورتها الثالثة عشرة 2020. وجاء إعلان العمل الفائز من خلال بث مباشر عبر الإنترنت نظرًا إلى تعذر تنظيم حفل للإعلان كما هو معتاد بسبب تفشي فيروس كورونا. والعيساوي من الجيل الجديد من الكتّاب «مواليد 1985» وهو أول جزائري يقطف ثمرة البوكر. العيساوي مهندس الصيانة والآلات يخرج من عباءته المبقعة بالزيت ليكتب الكلمة الأنيقة من خلال رواياته الخمس. وفي روايته الفائزة بالبوكر يتناول ماضي الثورة الجزائرية وحاضرها من منظور جديد. يذكر أن العيساوي حصد جوائز أخرى هي: جائزة كتارا للرواية 2017. جائزة سعاد صباح للرواية 2017. جائزة آسيا جبار للرواية 2015.خرجت الجزائر من تحت الاحتلال الفرنسي الذي استمر حوالي 132 سنة لتستمر سنوات طوال تحت استعمار اللغة الفرنسية التي ألجمت ألسنة معظم الجزائريين. كان الكاتب الجزائري كاتب ياسين يمر بمعاناة نفسية شديدة لأنه لم يكن قادرًا على الكتابة والتعبير باللغة العربية، فكتب الكثير من الروايات والمسرحيات وكلها باللغة الفرنسية، من أشهرها رواية «نجمة» عام 1956 التي ترجمت إلى اللغة العربية، والتي علّق عليه كاتب ياسين «هل ماتت روحها الجزائرية عندما كتبتها بالفرنسية؟». واعتبرت هذه الرواية أجمل نص باللغة الفرنسية لكاتب من أصل غير أوروبي حيث عبّر بصدق عن فترة مؤلمة في حياة الجزائريين. لكن هناك من الأدباء من استطاع أن يفرَّ من سيطرة واستعمار اللغة الفرنسية وهو الطاهر وطّار الذي أرسله أبوه ليدرس الفقه في معهد الإمام عبد الحميد بن باديس لكنه انتبه إلى أن هناك ثقافة أخرى موازية للفقه وهي الأدب، فانكب على قراءة الأدب العربي وقرأ كتب جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، وزكي مبارك وطه حسين والرافعي. وهو الذي قال في هذا الصدد «الحداثة كانت قدري ولم يملها علي أحد». ومن الجيل اللاحق الكاتبة المعروفة أحلام مستغانمي ابنة ثوري جزائري والتي قال نزار قباني عن روايتها «ذاكرة الجسد»: «روايتها دوّختني. وأنا نادرًا ما أدوخ أمام رواية من الروايات، وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق فهو مجنون ومتوتر واقتحامي ومتوحش وإنساني وشهواني وخارج على القانون مثلي. ولو أن أحدًا طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر.. لما ترددت لحظة واحدة. هل كانت أحلام مستغانمي في روايتها (تكتبني) دون أن تدري لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء بجمالية لا حد لها وشراسة لا حد لها.. وجنون لا حد له.. الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور بحر الحب وبحر الجنس وبحر الآيديولوجيا وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها، ومرتزقيها وأبطالها وقاتليها وسارقيها، هذه الرواية لا تختصر «ذاكرة الجسد» فحسب ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري والحزن الجزائري والجاهلية الجزائرية التي آن لها أن تنتهي... وعندما قلتُ لصديق العمر سهيل إدريس رأيي في رواية أحلام، قال لي: «لا ترفع صوتك عاليًا.. لأن أحلام إذا سمعت كلامك الجميل عنها فسوف تجنّ... أجبته: دعها تُجن.. لأن الأعمال الإبداعية الكبرى لا يكتبها إلا مجانين». ويأتي الروائي واسيني الأعرج (1954)، وهو تقريبًا من جيل أحلام مستغانمي (1952) ليشق طريقه بقوة وإصرار برواياته الرائعة ليحتل واجهات المكتبات العربية وأشهرها «الليلة السابعة بعد الألف» بجزأيها «رمل الماية» و«المخطوطة الشرقية». وهو يعدُّ من أحد أهم الأصوات في الرواية العربية. ويكتب واسيني باللغة الفرنسية أيضًا. روائيون جزائريون كثيرون كتبوا باللغة الفرنسية ولم تصلنا رواياتهم وأشهرهم الكاتبة آسيا جبّار. إنها الجزائر الخارجة من أتون اللغة الفرنسية «الجميلة من دون استعمار والقاتلة مع الاستعمار»!.Alqaed2@gmail.com
مشاركة :