من منّا من أبناء جيلي وما بعده لم يقرأ ويستمتع ويثمل بالروايات الرومانسية لرائدي الرواية العربية الرومانسية إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي (17 يونيو 1917- 18 فبراير 1978) اللذين كتبا أجمل الروايات التي سوف تظل تراثًا رومانسيا على مر السنين. روايات تذكّرنا بصبانا وشبابنا وبالزمن الجميل حين كانت العلاقات الغرامية ناعمة ودافئة، تسود عبر رسائل الغرام وبالهواتف المنزلية ومن خلال النوافذ وأحيانًا اللقاءات القصيرة السرية والقلوب ترتجف خوفًا من عيون الرقباء والفضوليين. كان ذلك قبل بدء ثورة التكنولوجيا وانطلاق وسائل التواصل الاجتماعي التي حوّلت العواطف والعلاقات إلى أساليب أخرى ربما ينقصها الجمال والرومانسية. من منّا يستطيع أن ينسى رواية «الوسادة الخالية» لإحسان عبدالقدوس أو نسختها السينمائية من بطولة العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ وجميلة جميلات الشاشة لبنى عبدالعزيز التي تناولت الحب الأول، الحب الذي يقيم في الروح دهرًا طويلاً، وأغاني عبدالحليم مثل «أول مرة تحب يا قلبي» و«صدفة»، هذه الأغاني التي تظل في الذكرى والذاكرة. من ينسى رواية «في بيتنا رجل» التي قرأتها شخصيا عدة مرات وشاهدت فيلمها عشرات المرات. هي رواية كان لها تأثير عميق في صقل شخصيتي وشخصية أبناء جيلي الذين حملوا لواء وعشق التغيير وآمنوا بالعدالة الاجتماعية والدفاع عن الحق. إنها رواية جيل ما قبل ثورة يوليو 1952 الذين قاوموا الاستعمار الإنجليزي حيث يقوم إبراهيم حمدي (عمر الشريف في الفيلم) بعد ان قُتل قريبه أثناء مظاهرة على أيدي رجال البوليس في فترة ما قبل الثورة بالانتقام بقتل رئيس الوزراء الخائن الموالي للإنجليز ولكن يتم القبض عليه بعد قتل الوزير ويتم تعذيبه حتى يدخل أحد المستشفيات ولكنه يستغل فترة الإفطار في شهر رمضان ليقوم بالهرب ويذهب إلى منزل زميله الجامعي محيي زاهر (حسن يوسف) الذي ليس له نشاط سياسي فيعيش في منزلهم فترة وتقع نوال (زبيدة ثروت) أخت محيي في حبه ولكنه يقرر السفر خارج مصر للهروب ولكنه حين يعلم أن محيي وابن عمه عبدالحميد (رشدي أباظة) قد تم القبض عليهما يقرر تدمير معسكر للإنجليز بالعباسية ولكنه يُقتل أثناء تفجير المعسكر ثم يخرج محيي وعبد الحميد من السجن ويقرران مع نوال الانضمام إلى الجماعة التي تقاوم الإنجليز مع زملاء إبراهيم حمدي. رواية صدرت بعد الثورة فيما تم عرض الفيلم في عام 1961. في هذه الرواية أدخل إحسان عبدالقدوس فيها أبياتا جميلة تتواءم مع أجواء الرواية للشاعر اللبناني خليل مطران: كسّروا الأقلام هل تكسيرُها يَمنع الأيدي أن تنقشَ صخرا؟ قطّعوا الأيدي هل تقطيعها يمنعُ الأعينَ أن تنظرَ شزرا؟ أطفئوا الأعينَ هل إطفاؤها يمنعُ الانفاسَ أن تصعدَ زفرا؟ إحسان عبدالقدوس (1 يناير 1919 -12 يناير 1990)، ربما كان أول روائي يكتب روايات بعيدة عن العذرية، كتب أكثر من 600 رواية وقصة، قدمت السينما المصرية عددًا كبيرًا منها حيث تحوّلت 49 رواية إلى أفلام، و5 روايات إلى نصوص مسرحية، و9 روايات أصبحت مسلسلات إذاعية، و10 روايات أخرى تحوّلت إلى مسلسلات تلفزيونية. ورواياته تصور فساد المجتمع وانغماسه في الرذيلة وحب الجنس والشهوات والبعد عن الأخلاق، ومن هذه الروايات «النظارة السوداء» و«بائع الحب» و«صانع الحب» والتي أنتجت قبيل ثورة يوليو 1952. ويذكر أن الرئيس جمال عبدالناصر قد اعترض على روايته «البنات والصيف»، والتي وصف فيها حالات الجنس بين الرجال والنساء في فترة إجازات الصيف، لكن إحسان كان جريئًا فرد على «الرئيس» بأن قصصه هذه من وحي الواقع بل إن الواقع أبشع من ذلك بكثير، وبأنه يكتب هذه القصص أملاً في إيجاد حلول لها لا غير. ويذكر أن المخرج حسين كمال أخرج تسعة أفلام من روايات إحسان عبدالقدوس، بدأها بفيلم «أبي فوق الشجرة»، «في بيتنا رجل»، «الذي كان»، «إمبراطورية ميم»، «دمي ودموعي وابتسامتي»، «بعيدًا عن الأرض»، «العذراء والشعر الأبيض»، «أرجوك أعطني هذا الدواء» واختتم إنتاجه لروايات إحسان بفيلم «أيام في الحلال».
مشاركة :