وهج الكتابة: الرواية العربية وليد غير شرعي!

  • 10/3/2020
  • 01:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الشعر لسان العرب منذ عصور سحيقة وبعض النثر أيضًا في فترات لاحقة. أما الرواية فهي حديثة العهد على التراث والثقافة العربية. صحيح أن ظاهرة الحكواتي انتشرت في فترات لاحقة، والتي تعني نوعًا من السرد الشفهي، إلا أن الرواية بصورة عامة هي فن مستورد، انتقلت إلى الوطن العربي عن طريق حركة الترجمة والدارسين العرب في أوروبا. ربما كانت أول رواية تصدر عربيًا هي رواية  «حسن العواقب» للأديبة اللبنانية  زينب فواز  عام 1899 ثم رواية «زينب» للدكتور محمد حسين هيكل عام 1914، وكانت قد صدرت في طبعتها الأولى بعنوان فرعي هو «مناظر وأخلاق ريفية»، فرواية «في سبيل المزاج» للأديب العراقي محمود أحمد السيد في عام 1921، وفي عام 1929 أصدر الدكتور طه حسين روايته الأولى «دعاء الكروان»، ورواية «إبراهيم الكاتب» لإبراهيم عبدالقادر المازني عام 1931، ورواية «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، ورواية «سارة» لعباس محمود العقاد عام 1934، وراية «نداء المجهول» لمحمود تيمور. هؤلاء وضعوا أساس الرواية العربية، ومن ثم انطلقت الرواية لتشكل أساسًا في ثقافتنا الإبداعية، لذلك قال البعض إن الرواية وليد غير شرعي لأنها لم تنبثق من الثقافة العربية في الأصل. من المعروف أن كل كتاب يتخذ طابع عصره، وكل عمل أدبي أيضًا هو انعكاس وتجسيد لإيقاع العصر. فالرواية العربية نشأت متأثرة بالواقعية التي ازدهرت في أوروبا بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وبدايات القرن العشرين. الروايات العملاقة الخالدة على مر الزمان في أوروبا وروسيا كانت معظمها، إن لم نقل كلها، تتبع المذهب الواقعي. فكيف يمكننا أن نتخيل تاريخ الرواية من دون أن نتذكر رواية الحرب والسلام لتولستوي أو رواية «غادة الكاميليا» لالكسندر دوماس أو رواية «البؤساء» لفيكتور هيجو أو رواية «وداعًا للسلاح» لهمنجوي و«الفولاذ سقيناه» لنكولاي استروفسكي. تعد الواقعية في الرواية العربية أسلوبًا أساسيًا راسخًا يميز الأدب العربي وتطوره في العصر الحديث. فالاتجاه الواقعي في الرواية هو أول اتجاه غربي يقلده ويمارسه الروائيون العرب وعياً بأسسه النظرية وقيمه الفنية ومدلوله الاجتماعي. كان نجيب محفوظ رائد الرواية الواقعية العربية بدون منازع بل من المجددين فيها مستفيدًا من خصوصية الأدب والمجتمع العربي. وتتمثل آفاق التجديد لدى نجيب في روايتيه «ثرثرة فوق النيل» و«ميرامار»، حيث انطلق مجددًا خارجًا من أسر الواقعية القديمة. بعد جيل نجيب بدأت الواقعية الاشتراكية تسود نسبيًا إلى جانب الواقعية النقدية مع بروز جيل عبدالرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس وفتحي غانم الذين حاولوا منافسة جيل نجيب محفوظ ومضوا إلى آفاق مغايرة. كان للأدب اللاتيني الذي انتشر على يد الكولومبي غابريل غارسيا ماركيز والبرازيلي جورج أمادو على سبيل المثال وقع السحر في عالم الرواية عالميًا، وهي الواقعية الجديدة الممزوجة بالكثير من العوالم الغريبة. ومثلما تطوّر الشعر العربي من العمودي إلى شعر التفعيلة إلى قصيدة النثر والهايكو والومضة وتوجهها نحو بعض السريالية والفانتازيا، تطورت الرواية الجديدة بصورة جذرية منطلقة إلى الغرائبية، وبدأتها منذ سنوات طويلة الكاتبة السورية غادة السمّان منذ فترة طويلة، حيث كتبت الرواية التي تجد الفرق بينها وبين الشعر رهيفًا، ثم اميل حبيبي ومي التلمساني واحمد المديني وغيرهم من الموجة الجديدة للشباب. ثم جاءت أحلام مستغانمي، وهي شاعرة في الأصل، لتكتب الرواية ذات النفس الشعري. إنه زمن التفكيك كانعكاس واضح للواقع العربي المهشم. الروايات الجديدة في أغلبها هي مزيج من مذاهب مختلفة تصب في بوتقة الغرائبية والإدهاش. إنه زمن الرواية بلا منازع!Alqaed2@gmail.com

مشاركة :