على الرغم من اعتبارها أزمة عابرة، تحولت الولايات المتحدة سريعًا إلى البؤرة الأولى عالميًا لانتشار وباء كورونا، حيث اقترب عدد الإصابات من المليون وأكثرمن 55 ألف حالة وفاة. وقد أدت الاستجابة المرتبكة والمتأخرة لإدارة ترامب، وخصوصا فوضويته وعدم إدراكه للخطورة الناتجة عن انتشار الوباء، وسوء إدارته في التعامل مع الأمر، بعد استهتار مثير للجدل دام أسابيع، وتصريحاته الأخيرة بحقن المرضى بالمعقمات، إلى تعقيد الأوضاع أميركيا، وترتب على ذلك إنهيار أسواق النفط والأسهم المالية، وتوقف مظاهر الحياة العادية، وانكشاف ضعف البنية الصحية الأميركية، خصوصا لناحية المستشفيات، وتوافر المعدات اللازمة، فضلاعن فقدان ملايين من الأميركيين لوظائفهم في مرحلة الحجر والإغلاقات. وتتوقع بعض التقديرات أن تصل نسبة العاطلين عن العمل إلى أكثرمن 20 %، وهو ما يشي بوضع داخلى صعب، ويفرض تحديات وصعوبات طويلة الأمد على الشأن الأمريكي. ويبدو أن وباء كورونا وتداعياته على المشهد السياسي لن يكون مرتبطا بالصحة العامة وبالأوضاع الاقتصادية، وعلى مدى جاهزية الدولة للتعاطي مع هذا الوباء الخطير، وإنما سيكون ضيفًا ثقيلا على الانتخابات الأمريكية الـ 59 المقرر إجراؤها يوم الثلاثاء 3 نوفمبرمن عام 2020، ليس فقط لأمر إجرائها وبأية آلية، ولكن لتداعياتها على فرص فوز ترامب بولاية ثانية، حيث هناك قلق من قبل الجمهوريين خشية خسارة الانتخابات الرئاسية، خصوصا بعد استطلاع الرأي الأخير الذي نشرته نيويورك تايمزحول تراجع فرص فوز “ترامب”، وكذلك نتائج المسح في 17 ولاية حول تراجع فرص ترامب، والتي رجحت فرص “بايدن” بالفوز، وهو ما يعكس عدم رضا على أداء “ترامب” بإدارة الأزمة. فالمشهد الراهن غيَّرمن أولويات الأجندة الأمريكية، فقد تسبب كورونا في تأجيل عدة نشاطات سياسية واقتصادية ورياضية وثقافية، وهو ما دفع الكثيرين في الولايات المتحدة وخارجها، لإثارة مجموعة من التساؤلات سواء فيما يتعلق بموعد إجراء الانتخابات الرئاسية؟ خصوصا في ظل تعذر إجراء الحملات الانتخابية لمرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري حتى الآن بسبب الحجر الصحي، أوفي ظل تحديات غير نمطية تواجه الإدارة الأمريكية الحالية أو أي إدارة مستقبلية تتعلق بقدرة الولايات المتحدة على مواجهة تداعيات ما بعد وباء كورونا؟، وبقدرتها على قيادة العالم. الأمر الذي سيكون أحد أهم العناوين البارزة في الانتخابات المقبلة بشقيها الرئاسية والتشريعية (الكونغرس) التي تحتم وجود رؤية واستراتيجية لمواجهة التحديات الطارئة الممثلة بمتغير الصحة العامة الذي فرض ذاته على مستقبل العلاقات الدولية، ودور الولايات المتحدة في قيادة النظام الدولي، ولهذا ينظر لانتشار وباء كورونا داخل الولايات المتحدة ليس باعتبارها أزمة صحية تتعلق بمدى انتشاره وآثاره الصحية، وإنما أزمة سياسية تتعلق بكيفية التعامل مع أي تهديدات تواجه الأمن القومي الأمريكي. فالحالة الأمريكية تمثل تجربة خاصة في إدارة الأزمة، وقد شكل تعامل الرئيس “ترامب” وادارته مع انتشار الوباء جزءا رئيسيا في تقييم أداء الإدارة بشكل عام، وقد اعتبر البعض أن هذه الأزمة هي الأخطر التي تواجه الرئيس “ترامب” منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة، وأن الديمقراطيين سيعملون على استغلال ضعف الاستجابة للوباء، والتعاطي معه بجدية لتعزيز فرص فوزهم في السباق الرئاسي. فالانتشار السريع للوباء، وتداعياته على الحياة الاقتصادية والعامة للمواطنين الأمريكيين، وكذلك الحديث عن وجود قصور في هذا الأداء، زاد الموقف تعقيدا أمام الإدارة والرئيس، ووضعه تحت المجهر، خاصة وأن تزايد انتشار الوباء قد يطيح بالنجاحات التي حققها الرئيس “ترامب” على المستوى الاقتصادي خلال السنوات السابقة، الأمر الذي قد يفتح الاحتمالات أمام تأثر فرص إعادة انتخابه مع زيادة وطأة انتشار الوباء. ومن الآثار المحتملة لتفشي الوباء على أجندة الانتخابات، أن أصبحت الصين قضية مركزية، ليس على صعيد المخاوف التجارية التي أثارها الرئيس ترامب في حملته الانتخابية السابقة، وإنما لاعتبار الصين هي السبب الرئيسي في انتشار الوباء عبر تسريبه من معهد ووهان للفيروسات، أوأنها القوة الصاعدة والمهددة للهيمنة الأمريكية على النظام الدولي، لذلك عمد إلى توجيه سهامه نحو الصين، وسعى إلى تحشيد الرأي العام الأمريكي ضدها، لقطع الطريق أمام خصومه، وتبرئة ساحته، وربما كانت الاستجابة الأبرز قيام ولاية ميزوري الأمريكية برفع دعوى قضائية ضد الحكومة الصينية تتهمها بأنها أخفت معلومات وأسكتت أشخاصا حذروا من الوباء في بداية ظهوره، وهوالأمر الذي أثار عداء شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكي للصين، خصوصا وأنها أوجدت توافقا غير مسبوق بين الجمهوريين والديمقراطيين، هذا التوافق يشير إلى أن عداء الصين سيشكل الإطار الذي ستجرى فيه الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأخيرا يمكن القول إنه قد ينجح الرئيس ترامب في تحشيد الرأي العام ضد الصين وتصويرها بأنها المسؤولة عن تفشي الوباء، ولكن لاتزال شريحة كبيرة من الأمريكيين، والتي تأثرت حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والصحية جراء انتشار الوباء، تؤمن بأن ما يهم الآن في ظل حالة عدم اليقين وتلاطم أمواج الوباء، ليس الرئيس الأكثر صرامة مع الصين، بل الأكثر كفاءة في إدارة الأزمة على المستويين الصحي والاقتصادي، والعبور بالبلاد إلى بر آمن.
مشاركة :