د. جمال خالد الفاضي يكتب: الانهيار الذي لن يقود إلى السقوط

  • 4/22/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

سيسجل يوم العشرين من أبريل/ نيسان 2020 “الإثنين الأسود” في تاريخ إنتاج النفط والطاقة، وسيبقى جزءًا من ذاكرة الأسواق المالية والبورصات والمضاربين لسنوات طويلة، وقد تشير إليه مراجع الاقتصاد  والعلوم المرتبطة في صفحاتها، وعناوين مباحثها التعليمية، وسيتساءل العامة من الناس أومن  المتخصصين في الحقول المعرفية بجملة تقليدية: ما الذي حدث أويحدث لأسعار النفط؟.. تلك السلعة  الإستراتيجية التي لم ينجح العقل الإنساني في إيجاد بديل لها حتى يومنا هذا، وهي التي تشكل أحد أركان الحضارة الإنسانية الراهنة؟. فماذا يعني أن تصل أسعار برميل النفط تحت الصفرأو إلى سالب للبرميل؟.. وماذا يعني أن منتجي النفط مستعدون لدفع أموال للمستهلكين للتخلص من المخزون الموجود لديهم؟. هناك اتجاهان لمحاولة  توضيح سبب ما آلت إليه الأمور في بورصات النفط العالمية، الاتجاه الأول وهو الذي يرتبط بالانخفاض غير المسبوق وغير المتوقع للأسعار بسبب تداعيات فيروس كورونا، الذي أجبر المليارات من الناس على البقاء في منازلهم، فتوقفت المصانع عن الإنتاج، وتراجع الاستهلاك على المستوى  الجماعي والفردي، وتوقفت حركة السفر، والسياحة وحركة السيارات والطائرات، بالإضافة لصراع  الأسعار والتنافس المرئي وغير المرئي بين السعودية وروسيا، على حجم الإنتاج، وهو ما تسبب بزيادة  المعروض من النفط مقابل انخفاض الطلب العالمي الناتج أصلا عن تراجع وتوقف ماكينة الإنتاج العالمية، مما أدى إلى انخفاض أسعار مصادر الطاقة حول العالم، وقد أدى فائض التخزين وعدم  القدرة على استيعاب مزيد من الإحتياطات النفطية إلى مضاعفة المخاوف والإسراع للتخلص من عقود  الشراء المستقبلية المتعلقة بمايو/ أيار، والتي يتحتم تسويتها قبل ظهر الثلاثاء 12 أبريل. بينما الاتجاه الثاني، الذي لانهيار سوق النفط الأميركي المؤقت يرتبط بسياسة وحسابات الخوف والطمع من  المضاربين بالسوق من كبار المؤسسات المالية الأميركية، حيث أغراهم الانخفاض الكبير لأسعار  النفط خلال الأشهر الأخيرة، كي يوقعوا على تعاقدات كبيرة عندما انخفض سعر خام غرب تكساس،  ووصل لمستويات دنيا، واشتروا كميات كبيرة أملا، في ارتفاع الأسعار وإعادة بيعها وتحقيق مكاسب..  كما قال “شريف عثمان” الخبير الاقتصادي بمؤسسة “واشنطن أناليتيكا” في لقاء صحفي له، لكن  ومع استمرار حالة الانغلاق الناتجة عن فيروس كورونا، وانخفاض الطلب على النفط بصورة لم  يتوقعها أحد، ازداد المعروض لدرجة محاولة التخلص منه بأي سعر، خاصة مع تكلفة عالية متوقعة في التخزين والنقل، وعدم القدرة على توقف الإنتاج. وبشأن درجة الاشتباك والعلاقة بين انهيار أسعار النفط وفرص التأثير على قيمة الدولار، يمكن القول إن درجة الارتباط بين أسعار النفط والدولار، تعد من المسلمات في الاقتصاد العالمي، حيث يبلغ حجم المعاملات التجارية العالمية ما قيمته 3 تريليونات دولار، أي ما نسبته 50% أوأكثر من  صادرات العالم بما فيها البترول، وبهذا ينعكس أي تذبذب واضطراب في سعر الدولار على أسعار هذه  السلع والخدمات، كما يؤثر على تقييم العملات الأخرى مقابل الدولار، فالعلاقة بين أسعار النفط  والدولار هي علاقة عكسية، وارتفاع أسعار النفط يقود إلى إنخفاض قيمة الدولار، والعكس..  فانخفاض أسعار النفط يقود إلى إرتفاع قيمة الدولار، ولكن هناك حالات إستثنائية تصبح فيها العلاقة بين أسعار النفط والدولار طردية، أي أن انخفاض أسعار النفط يقود إلى انخفاض مقابل لقيمة لدولار، وارتفاع أسعار النفط يؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار، وتعود هذه العلاقة الاستثنائية قصيرة  المدى إلى وجود توافقات بين الولايات المتحدة ومنظمة الأوبك “الدول المصدرة للنفط” والهدف من ذلك هو التغلب على حالة الركود المسيطرة كالتي يعيشها العالم اليوم نتيجة إنتشار وباء فايروس كورونا. في ظل الحديث عن مدى تأثير هذا الانهيار بأسعار النفط على مكانة الولايات المتحدة، لابد من التأكيد  على أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال هو أقوى الاقتصادات العالمية، وهو صاحب النصيب الأكبر من إجمالي الناتج المحلي العالمي، على الرغم من الأزمة التي تمربها الولايات المتحدة، وتربعها على  قائمة متضرري فيروس كورونا من حيث حالات الوفاة أوالمصابين. لماذا لن تسقط الولايات المتحدة؟.. دعونا نبسط الأمر بدرجة أكبر، كما يقول أستاذ الاقتصاد “سيف  الدين عودة” من سلطة النقد الفلسطينية: إن قوة الدولار تنبع أساسا من قوة اقتصاد الولايات المتحدة  الذي لا يزال يملك مفاتيح القوة المهيمنة على الاقتصاد العالمي من حيث تنوع السلع والخدمات التي  تقدمها والحاجة الملحة والضرورية للعالم لها، وبالتالي اجباريا سيحتاجون للشراء من هذه الدولة التي  تنتج بكميات قياسية اضعاف ما هو في مقدرة الدول الأخرى. وأن الدولار الأمريكي هو العملة المعمول بها لتسعير السلع الأساسية كالنفط والذهب والأسهم وبورصات السلع الغذائية الاستراتيجية، وهو ما  سيجبر الدول الأخرى على طلب هذه العملة واستخدامها في الشراء والبيع. وكذلك، أن الولايات  المتحدة لا  وستبقى على المنظورين القريب والمتوسط تمتلك مفاصل اختراع التكنولوجيا والإنترنت، والصناعات الاستراتيجية، والصناعات العسكرية والفضاء والابتكارات العلمية، وامتلاكها لكل عوامل القوة الناعمة والنموذج المعيشي المحبب للبشرية، بالإضافة للقوة العسكرية والشرطية العالمية  المهيمنة، والقادرة على حماية مقدراتها الاقتصادية، ولاننسى أهمية المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد اللذين يصيغان قواعد اللعبة في الاقتصاد العالمي وأنظمة صرف العملات. هناك فرق بين ان تمر الدولة بحالة كساد مخيف وبين سقوطها من القمة، وكمايقول “ريتشار هاس”:  إن الحقب التاريخية يصعب تمييزها قبل أن تنتهي، فلم يصبح عصر النهضة معروفا بعصر النهضة إلا في وقت لاحق، ولم يعرف عصر الهيمنة الامريكية إلابعد انتهاء الحرب الباردة، والسبب بسيط:  فمن المستحيل أن نعرف ما إذا كان أحد التطورات الواعدة أو المثيرة للقلق (فيروس كورونا) يأتي عابرا منفردا أويمثل بداية اتجاه دائم؟.

مشاركة :