د. جمال الفاضي يكتب: الانتخابات الأمريكية وسياسة الانتظار الفلسطينية

  • 8/29/2020
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أمريكيًا.. على الرغم من أن استطلاعات الرأي تظهر تفوق جو بايدن بالانتخابات المتوقعة في الثالث من نوفمبر القادم، إلا أن هذه التوقعات ستبقى مجردة من بعض الحقائق التي تعد أحد أهم المحددات المؤثرة في نتائح الانتخابات. فبحسب مركز “بيو” الأميركي للأبحاث، فإنّ  88% من أعضاء الكونغرس، يعرّفون أنفسهم كمسيحيين، كما أنّ نصف الناخبين الأميركيين تقريبًا يؤمنون أنّه يجب على الرئيس المنتخب أن  يتمتع بمعتقدات دينية راسخة، فيما يرى ثلث الأميركيين أنّ السياسات الحكومية يجب أن تدعم القيم الدينية. فمنذ أن جاء رئيسًا للولايات المتحدة، قبل أربعة أعوام، فإنّ المسيحيين الإنجيليين شكلوا القاعدة الانتخابية الأساسية والثابتة لترامب، حيث صوّتوا له بكثافة في تلك الانتخابات، وقد شكلت مطالبهم القائمة على الدعم المطلق لإسرائيل كأرض للشعب اليهودي، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، (لأنّ نبوءة إعادة بناء أورشليم ضرورية لعودة المسيح، ويمكن أن يكون أداةً في خطّة الله. ويستندون في ذلك إلى حكاية قورش الكبير ملك فارس في القرن السادس قبل الميلاد، الوارد ذكره في التوراة كمحرر لليهود. فقورش لم يكن يهودياً، لكنه سمح لهم بإعادة بناء هيكل أورشليم)،  أحد أهم أولويات ترامب في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد أحاط نفسه في دائرة البيت الأبيض بواعظين مشهورين، من بينهم نائبه مايك بينس، ومستشارته الروحية الخاصة باولا وايت، التي قالت يومًا: “حين تقول لا للرئيس ترامب، كأنك تقول لا لله”، إلى جانب المربي وعالم النفس جيمس دابسون، والواعظ فرانكلن غراهام، ابن بيلي غراهام المستشار الروحي للعديد من رؤساء الولايات المتحدة. وفي الآونة الأخيرة، وبعد المظاهرات التي عمت الولايات الأمريكية نتيجة مقتل جورج فلويد، ظهر ترامب رافعًا كتاب الإنجيل أمام كنيسة القديس يوحنا في واشنطن، وذلك في إطار استمالته للناخبين الإنجيليين، الراغبين بتجديد ولايته 2020، علّهم يحققون مطالب إضافية أساسيّة في معتقداتهم، منها منح إسرائيل مزيدًا من أراضي الضفة الغربية، وتطبيق خطة صفقة القرن. بينما منافسه من الحزب الديمقراطي جو بايدن، والذي لا يملك الكثير في جعبته السياسية، سوى استنساخ لسياسة أوباما، وهو الكاثوليكي الملتزم، والمعروف بإيمانه والتزامه الديني، وذلك ما تحاول حملته الانتخابية أن تستثمره لصالحه، حيث بدأت حملته الانتخابية برفع شعارات تكرّس الصراع الديني المحتدم مثل شعار “استعادة روح أميركا”. (مع الإشارة إلى أنّه لم يسبق لرئيس كاثوليكي أن دخل البيت الأبيض، باستثناء جون كينيدي، لأسباب كثيرة، من بينها، خشية النخبة السياسية الأميركية من تدخّل الفاتيكان بالشؤون الداخلية لبلدهم). واليوم، يلجأ الحزب الديمقراطي في الحشد لحملة بايدن، إلى أدبيات غريبة عن حملاته السابقة، وكأنّه بات واعيًا للدور الذي يلعبه الدين في المزاج الشعبي. ويظهر ذلك من خلال تعويل حملة بايدن بشكل كبير على صورته كرجل مؤمن وتقي. وبين مؤتمري الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري المدججين بالرسائل الروحانية والدينية، من المتوقّع أن تتصاعد نبرة الروحانيات خلال الشهرين القادمين، بحسب محللين، نظراً لحاجة الأميركيين إلى تعزيز ذلك الجانب لديهم، بعدما كانت وطأة وباء كوفيد -19 ثقيلة جدًا عليهم، صحيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، وأدت إلى وفاة أكثر من 170 ألف شخص. فلسطينياً، لا زالت القيادة الفلسطينية والتي تتعرض لمحاولات من التضيق والتهميش نتيجة مواقفها الرافضة للإنحياز الأمريكي الفج للمواقف الإسرائيلية اليمينية وهي مواقف متماهية مع اليمين الإنجليكي الأمريكي، تتبع سياسة الانتظار والرفض الكلامي دون القيام بفعل مؤثر أو صناعة موقف وحدث يعيد صياغة الأزمة ضمن شروط يمكن من خلالها خلط الأوراق، لأن البقاء رهينة مواقف ثابتة أو ردود فعل جامدة، لن تغير من واقع الأمر شيئًا، والملاحظ من منذ إعلان خطة صفقة القرن الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، اعتماد القيادة الفلسطينية دبلوماسية الرفض وسياسة الانتظار، وذلك إنتظارًا لتغيير ما في السياسة الأمريكية قد تفرزه نتائج الانتخابات الأمريكية في الثالث من نوفمبر القادم، متناسية أن أي تغيير يمكن أن تفرزه الانتخابات الامريكية القادمة لن يعيد عقارب الفعل الأمريكي للوراء، ولن يقود فوز بايدن إلى العودة عن اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل أو يعيد السفارة إلى تل أبيب، ولن يسحب صفقة القرن من التداول، وكل ما يمكن القيام به هو العودة للمفاوضات الماراثونية ومؤتمرات البروباغاندا التي لا تغني ولا تسمن من تغيير حقيقي، فيما الواقع يسير باتجاه مخالف لعقارب الساعة الفلسطينية. مزيد من السيطرة الإسرائيلية والضم على الأرض.. استمرار للإستيطان وكل المحاولات الإسرائيلية المعطلة والرافضة لفكرة حل الدولتين. المطلوب من القيادة الفلسطينية اتباع نهج جديد لا يبقى الحالة الفلسطينية رهينة مواقف الآخرين، والتقوقع على الذات، فالولايات المتحدة وبغض النظر عمن يحكمها  تنظر لإسرائيل ضمن منظور ديني قائم على أنها الأرض المقدسة التي ستشهد عودة المسيح، وأن هذا المنظور لن يتغير بتغيير الحزب الحاكم أو الرئيس القادم، وبالتالي وضمن قراءتي للمشهد الأمريكي، فإن العامل الديني هو أحد المحددات الهامة خلال الانتخابات الأمريكية كما أشرت إليه في البداية، ومن الخطأ الرهان على مواقف الآخرين فيما الحالة الفلسطينية هي أول ما نحتاج إليه من ترتيب بيتنا وتمتين مواقفنا، وعدم ترك نقاط ضعف تشكل ممرًا لمحاولات تفتيت الموقف الفلسطيني والانقلاب على ما تبقى من شرعية، وعلى القيادة الفلسطينية الاستعداد لكل التوقعات والتحديات، وليكن معلومًا أن حظوظ الرئيس ترمب هي الأكثر ترجيحًا كرئيس قادم للولايات المتحدة، لأنه يملك قاعدة شعبية من الإنجليكيين، وعنوان مرحلة ومشروع أنجلوصهيوني، وأنه ما زال يملك عوامل الفوز على الصعيد الداخلي أو على المستوى الخارجي، والتحدي الحقيقي لنا كفلسطينيين ليس من هو الفائز بالانتخابات الأمريكية بقدر ما هو كيف يمكننا أن نحول هذا التحدي لفرص بناء وصمود وطني، لأنها الأداة الوحيدة التي نملكها وعليها تتكسر كل المؤامرات التي تحاك ضد شعبنا، فالذاكرة الفلسطينية مليئة بالأحداث، ولعل محطات كثيرة جديرة بالقراءة وأخذ العبر، وإلا سيطوينا النسيان في لحظة عابرة.

مشاركة :