لا أدري لماذا تذكرت بالأمس معارك المسلمين الخالدة في بدر وفتح مكة، وتذكرت صلاح الدين الأيوبي الكردي السوري المصري محرر القدس، كما تذكرت أيضاً سيف الدين قطز وبيبرس ومحمد بن قلاوون، أولئك المماليك من الأصول غير العربية الذين حكموا مصر وبلاد الشام وانتصروا في أعظم الحروب على التتار في عين جالوت وما بعدها، وتذكرت أيضاً القائد العربي العسكري العظيم والفقيه الرباني ابن تيمية السوري المصري، وهو يقود جنود المسلمين في الشام ومصر، ويقول سننتصر تحقيقاً لا تعليقاً، وطافت في ذهني عبقرية محمد الفاتح وهو ينقل السفن والمدافع من أحد جوانب البحر فيعبر بها البر لكي يدك حصون القسطنطينية من جانب البحر الآخر. وفي لحظة من التجلي تخيلت العلامة ابن حجر جالساً في عسقلان فلسطين وهو يخط كتابا من أعظم كتب السنّة في هذه المدينة ليكون مرجعاً لكل المسلمين حتى اليوم. ولكن هل تذكرت هذه الشخصيات لأن معظم الفتوحات الإسلامية كانت في شهرنا هذا أي شهر رمضان المبارك؟ أم تذكرتهم وهم المختلفة أصولهم وقومياتهم بسبب ما أطالعه يومياً على صفحات التواصل من معارك كلامية فاحشة بين بعض أحفاد أولئك الأبطال من الذين نسوا تاريخهم وحضارتهم ومصيرهم المشترك، ودخلت الضغينة في قلوبهم، فراحوا يفتعلون تلك المعارك العنصرية التي أفرحت أعداءهم وأعداء دينهم؟ ربما تذكرت أولئك الأبطال وتضحياتهم بسبب ما يعرض اليوم على المسلمين في بيوتهم من مسلسلات التطبيع بدلاً من مسلسلات الجهاد، أو بسبب تمجيد بعض أبناء المسلمين للغرب وتقليدهم في كل شيء رغم ما فعلوه ويفعلونه اليوم من ظلم لنا ونصرة للعدو الغاصب علينا. أو ربما تذكرتها وأنا أشاهد علم الصهاينة يرفع على مؤسسات بعض العواصم العربية، ومناظر الاتفاقات الأمنية والثقافية التي تعقد يومياً مع الساسة اليهود، وأيضاً تلك الزيارات المتبادلة الدينية بين أشباه العلماء المسلمين والحاخامات اليهود. حقاً لقد أدخلتني هذه المشاهد اليومية المؤلمة في رمضان المبارك في مقارنة مؤلمة مع مشاهد تاريخية عظيمة ومشرفة تمنيت لو أني عشتها بدل الحياة التي نعيشها في هذه الحقبة المتخلفة من الزمن المعاصر. لقد كنا نحلم في الخمسينيات والستينيات بالوحدة العربية والوحدة الإسلامية وتحرير الأراضي والمقدسات والتفوق على الغرب، فإذا بنا نعيش اليوم انهيار أحلامنا في أسوأ مرحلة تاريخية. إن تخلف القيادات الحكومية والشعبية عن القيام بالمسؤولية التاريخية والشرعية والتسليم بهذا الضعف الحضاري والعسكري والعلمي والرضا بهذه المسلسلات الخائنة لهي من أهم أسباب هزائم المسلمين اليوم، بالإضافة إلى اشتعال هذه الحروب الكلامية التي تدور بين أحفاد الأبطال صلاح الدين وقطز وبيبرس وابن تيمية والعسقلاني والفاتح بدلا من أن توجه إلى عدوهم، وصدق نبينا الكريم الذي قال: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».
مشاركة :