في جلسة مجلس الأمة الأخيرة استوقفني ما ذكره الأخ النائب د. عبدالكريم الكندري، حيث ذكر أن "فصل السلطات لا يعني أنها متساوية لأن السلطة التي تسمو على جميع السلطات هي البرلمان". وهذا القول غير صحيح تماماً لأن السلطات الثلاث متساوية ولا تعلو أي سلطة على الأخرى، وحتى السلطة التشريعية ليست هي البرلمان وحده، لأن الدستور ذكر أن السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة (م51). وعندما رفع شعار مشابه لهذا القول أثناء تظاهرات عام 2011 احتجاجاً بنص المادة السادسة من الدستور (السيادة للأمة مصدر السلطات) كتبت شخصياً مُذكِّراً الإخوة بضرورة إكمال نص المادة وهو: "وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين في هذا الدستور"، وأحيل الأمر بعد ذلك إلى المحكمة الدستورية التي أصدرت حكمها 26/2012 بتاريخ 25 سبتمبر 2012، والذي جاء فيه أن "الدستور لم يجعل أي سلطة منها تعلو على الأخرى، فجميع هذه السلطات خاضعة للدستور، وكل سلطة تستمد كيانها واختصاصها من القواعد التي رسمها لها الدستور، ولا يجوز لها بالتالي الخروج عن أحكامه، ولا صحة للقول بأن التشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية محصنة وراء تعبيرها عن إرادة الأمة، ولا هي صاحبة السيادة في الدولة، فالسيادة هي للأمة طبقاً لصريح نص المادة 6 منه وإرادتها جرى التعبير عنها في الدستور. والأمر الآخر هو قول النائب العزيز عبدالكريم في قروض ومنح وإيداعات في بنوك خارجية... "هذا سلوك الحكومة، إذن من حق الشعب أن يطالب بإسقاط القروض". وهذا القول مشابه لما يردده كثير من المقترضين وهو يتعلق بالسياسة الخارجية لا بالعلاقة بين المواطنين، وعلى الحكومة أن تكشف كل ما يتعلق به من مبالغ، سواء المنح أو القروض وكلفتها السنوية على الدولة وأهميتها السياسية ومقارنتها بمبالغ الرواتب والدعم والمشاريع التي تصرف وتقام داخل البلاد سنوياً، وهذا واجب الحكومة وبالذات وزارتا الخارجية والمالية وأيضاً صندوق التنمية، ونحن والشعب في انتظار ردهم وتوضيحهم. لكن ألا يجدر بالمجلس، خصوصاً أن الميزانية لا تقر إلا من قبله، أن يلغي هذه المبالغ أو يقللها إذا كان غير مقتنع بها بدلاً من الاحتجاج بها لإسقاط القروض؟ وإذا لم يستطع المجلس أن يقللها فقرر أن يصرف مبالغ للشعب حسب قول د. عبدالكريم، ألا يجب أن يكون هذا الصرف لمصلحة الشعب كله وبالتساوي بدلاً من السداد بمبالغ متفاوتة بين المقترضين، حيث سيستفيد منه كبار المقترضين، والميسورون الذين لا يجدون أي مشكلة في السداد ويحرم من هذا الصرف غير المقترضين وكذلك الذين سددوا قروضهم بالكامل، كما سيحرم منه المتقاعدون وصغار المقترضين الذين حالت رواتبهم المتدنية دون اقتراضهم قروضاً كبيرة. ألا ينص الدستور على العدالة والمساواة بين المواطنين؟ أم أن المقترضين، وخصوصاً الميسورين منهم أصحاب القروض الكبيرة، أصبحت لهم أفضلية على باقي المواطنين؟ أما النائب العزيز عبدالله الرومي فقد كانت كلمته موجهة من القلب إلى الحكومة، ولكنها في الوقت نفسه وضعت المجلس في حرج بالغ، لأن المجلس لم يُعمل أدواته لمعرفة سبب سحب الجناسي وسبب إعادتها بعد ذلك، ورضي بالصفقات والمساومات مع الحكومة التي استخدمت هذه الورقة واستفادت منها، وربما استفاد أيضاً الذين أعيدت جناسيهم، ولكن هذا لا ينفي أن المجلس لم يؤدِّ دوره المطلوب منه بالشفافية التي تسدل الستار عنها نهائياً.
مشاركة :