الغضب : الحلقة الثانية بقلم الدكتور ضيف الله مهدي

  • 6/6/2020
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

السيطرة على الغضب ضيف الله مهدي أوصانا القرآن الكريم بالتحكم في انفعال الغضب ، فحينما يغضب الإنسان يتعطل تفكيره ، ويفقد قدرته على إصدار الأحكام الصحيحة . وكذلك فإن زيادة الطاقة في الجسم أثناء انفعال الغضب يجعل الإنسان أكثر استعدادا وتهيؤا للاعتداء البدني على من يثير غضبه . ولذلك كان التحكم في انفعال الغضب مفيدا من عدة وجوه وهي : 1ـ يحتفظ الإنسان بقدرته على التفكير السليم وإصدار الأحكام الصحيحة ، فلا يتورط في أعمال أو أقوال يندم عليها فيما بعد . 2ـ يحتفظ الإنسان باتزانه البدني ، فلا ينتابه التوتر البدني الناشئ عن زيادة الطاقة التي تسببها زيادة إفراز الكبد للسكر . وبذلك يتجنب الإنسان الاندفاع في القيام بأعمال عنيفة كالاعتداء البدني على الخصم الذي كثيرا ما يحدث أثناء انفعال الغضب. 3ـ إن التحكم في انفعال الغضب وعدم الاعتداء على الغير ، بدنيا أو لفظيا ، والاستمرار في معاملتهم بالحسنى وفي هدوء ، من شأنه أن يبعث الهدوء في نفس الخصم ، ويدفعه إلى مراجعة نفسه . ولا شك أن ذلك يؤدي إلى كسب صداقة الناس ومحبتهم ، ويساعد على حسن العلاقات الإنسانية بوجه عام . قال تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) فصلت الآية 34 . ويقول الله تعالى : ( فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ) المائدة 13 . ولقد أرشدنا نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام محذرا من الغضب أيّما تحذير وناهيا عنه وعن مبادلة الغضب بالغضب لما لذلك من أثار نفسية سيئة تنتاب الشخص فتؤدي به إلى كثير من الأمراض ، زد على ذلك إساءة العلاقات الإنسانية بين الناس لتبادل الغضب بالغضب مما يعكر الصفو ويزيد التفكك والفرقة بين أبناء المجتمع الواحد ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا تغضب ، لا تغضب ، لا تغضب ) . ثم إنه نصح بالضوء للغاضب والصلاة ، وكذلك بأن يجلس إذا كان قائما ، ويضطجع إذا كان جالسا ، وهكذا وهو علاج سلوكي أتبعه عليه الصلاة والسلام . تقول الحكمة الصينية القديمة : ” لا تنتقم من أحد بل اجلس على حافة النهر وانتظر فربما يأتي التيار حاملا لك عبرة تهدئ من روعك ” وأنا أقول : اذهب إلى النهر واغسل قلبك من ردة فعل الغضب الذي أحدثه فيك أي شخص . حيث الحكمة الصينية تؤكد على الصبر في مقابلة الموقف الخطأ ، وأنا أقول : قابل الموقف الخطأ بالإيجابية . يقول الشاعر : كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا يُرمى بحجر فيرمي أطيب الثمر فعندما يغضبك أحد فحاول أن تجعلها فرصة بأن تنظر بداخل نفسك وتسيطر عليها بعدم مقابلة الغضب بالغضب ، وإنما إعطاء الفرصة لمن أمامك كي يخرج ما بداخله . لأننا يجب أن نتعلم من رجال المطافئ ، فإنهم لا يطفئون النار بالنار ، بل يطفئون النار بالماء . فالأولى أن نقابل الموقف الغاضب بالبرودة والانسحاب . وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ليس القوي بالصرعة ، وإنما القوي من يملك نفسه عند الغضب ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام . وفي الكثير من المجتمعات قد تعلموا بأن يقابلوا الخطأ بالخطأ . ( العين بالعين ) فلذلك أصبح جميعهم عورا ، لأن كل منا قد فقئت عينه يوما ما . فعندها أصبحنا لا نبصر الحقيقة كما هي بل في الكثير الغالب أن ثورة الغضب تأخذنا ونستجيب للموقف بالسلبية حتى عمت السلبيات وأصبحنا نراها وكأنها جزء مسلم به في حياتنا . والتحليل لهذه السلبيات ولثورة الغضب التي تكاد تسيطر على أغلب موقفنا في الحياة اليومية هو أننا مكبوتين ، لا نعرف أن نفتح أفواهنا إلاّ عندما نذهب إلى طبيب الأسنان ، فلذلك تبقى النوازع تغلي في داخلنا مثل المرجل ، وما أن تتوفر أي فرصة فإننا سوف ننفس حقدنا وأحزاننا.

مشاركة :