بقلم الدكتور / ضيف الله مهدي إن انفعال الخوف من الانفعالات الـهامة في حياة الإنسان لأنه : 1ـ يعينه على اتقاء الأخطار التي تـهدده مما يساعده على الحياة والبقاء . والقرآن الكريم ذكر في بعض آياته الأمن من الخوف مقرونا بإشباع دافع الجوع ، مما يشير إلى أهمية كل من دافع الجوع وانفعال الخوف في حياة الإنسان. 2ـ يدفع الإنسان المؤمن إلى اتقاء عذاب الله سبحانه في الحياة الآخرة . فالخوف من عقاب الله يدفع المؤمن إلى تجنب الوقوع في المعاصي ، والى التمسك والتقوى والانتظام في عبادة الله وعمل كل ما يرضيه . والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام . قال تعالى : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) . سورة الأنفال : 2 . وانفعال الخوف حالة من الاضطراب الحاد الذي يشمل الفرد كله ،وقد وصف القرآن الكريم هذا الاضطراب بالزلزال الشديد الذي يهز الإنسان هزا شديدا ، فيفقده القدرة على التفكير والسيطرة على النفس . وإذا كان الخوف شديدا ومفاجئا فإن الإنسان تنتابه حالة من الذهول لا يستطيع معها الحركة أو التفكير بعضا من الوقت . وقد أشار القرآن الكريم لذلك في سورة الأنبياء الآية (40) حيث قال تعالى : ( بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ) . وذكر بن كثير في تفسيره للقرآن العظيم في المجلد الثالث تفسير سورة الأنبياء الآية ( 40 ) تفسيرا للآية السابقة وهو ” بل تأتيهم بغتة ، أي تأتيهم النار بغتة ، أي فجأة ، فتبهتهم أي تذعرهم فيستسلمون لها حائرين لا يدرون ما يصنعون ، فلا يستطيعون ردها ، أي ليس لهم حيلة في ذلك ولا هم ينظرون ، أي ولا يؤخر عنهم ذلك ساعة واحدة . ويتركز اهتمام الإنسان بنفسه حينما يحدق به الخطر الشديد ويتملكه الخوف ، فيحاول النجاة منه بنفسه هو وينصرف اهتمامه عن أي شيء آخر . قال الله تعالى : ( فإذا جاءت الصاخة () يوم يفر المرء من أخيه () وأمه وأبيه () وصاحبته وبنيه () لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ). سورة عبس الآية 33ـ37 . ويستجيب الإنسان لمواقف الخطر التي تهدده وتثير فيه انفعال الخوف بالابتعاد عنها والهرب منها . والخوف حالة انفعال يصاب بها جميع الأفراد حتى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام ، وقد ورد في القرآن الكريم خوف موسى عليه الصلاة والسلام من فرعون وهربه منه ، قال تعالى : ( ففررت منكم لمّا خفتكم ). سورة الشعراء الآية 21 . ووصف القرآن الكريم أيضا خوف موسى عليه الصلاة والسلام حينما رأى عصاه تنقلب إلى ثعبان فولى هاربا ، قال تعالى : ( وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جآن ولى مدبرا ولم يعقب ، يا موسى لا تخف إنّي لا يخاف لديّ المرسلون ). وذكر القرآن الكريم خوف الصحابة في المعركة فقال تعالى : ( إذ جآؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا () هنالك أبتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ). سورة الأحزاب . والخوف يظهر للإنسان مبكرا منذ أشهره الأولى ، ويثار الخوف من أشياء مادية ومن بيئته المحيطة به ، ومن أهم مثيرات الخوف لديه الأصوات العالية المفاجئة ، ويتطور الخوف تبعا لمراحل التكوين ، فالطفل الناشئ لا يخاف الأصوات الشديدة المفاجئة التي كان يخافها يوم كان وليدا ، ولكنه الآن يخاف الأماكن الغريبة الشاذة أو المهجورة ، ويخاف الرجل العجوز ، ويخاف أيضا بعض الحيوانات . ويتجلى الخوف في فترة الطفولة المبكرة كما كان من قبل على هيئة فزع عام يشمل الجسم والوجه وأساريره ثم إلى هرب وصراخ ، وأخيرا إلى اختفاء ، ويتطور صراخ الخوف وصياحه إلى كلام متقطع وبنبرة حادة ينبئ عن الخوف في معانيه وأسلوبه الإستغاثي . أمّا في فترة الطفولة المتأخرة فإن خوف الطفل يختلف عن مثيراته ومظاهره عن الطفل الحديث فهو يتعلم كيف يضبط أعصابه أمام مخاوف الوليد ، ولكنه في نفس الوقت يتعلم من البيئة مخاوف جديدة ، كالخوف من المجرمين ، أو اللصوص ، أو القتلة ، وخوف الحيوانات المفترسة ، ويتعلم الخوف من القصص التي يسمعها ، أو يقرؤها أو يراها في السينما أو الأفلام وللكهولة أيضا مخاوفها حيث يعاني بعض الأفراد مشكلة نفسية أساسها إدراكه بأنه قد أصبح إنسانا ضعيفا هالكا ، وأنه يسير بخطى سريعة نحو ختام الدنيا الحبيبة ، وأن هذا الشعور أمر لا بد منه ، وهو حقيقة ثابتة ، ولكن الطريقة التي ينفعل بها الكهل مع هذا الإدراك عظيمة الأثر في إسعاده أو شقائه ، فإذا تقبل الكهل بهدوء حتمية الضعف ومظاهره واتبع النصائع الطبية والصحية والنفسية عاش سعيدا في حياة مثمرة راضية مع ذات نفسه ومع أسرته ، ومجتمعه ، أمّا إذا حاول عدم الاعتراف بوضعه التكويني الراهن ، وأهمل رعاية نفسه صحيا ونفسيا ، مدعيا أنه لا يزال قوي البنية نشيط الفاعلية ، فإنه ينتصر ظاهريا ، ولكنه لا يلبث أن ينهار متهالكا.
مشاركة :