الميليشيات العراقية تعاني اليتم بمقتل القائد وإفلاس الممول | | صحيفة العرب

  • 6/12/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ما قبل كورونا وانهيار أسعار النفط والعقوبات الأميركية الشديدة على إيران ومقتل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس، لن يكون أبدا كما بعدها بالنسبة للميليشيات الشيعية في العراق، التي لا تعاني فحسب التشتت وفوضى القيادة والانشقاقات، بل هي مهددة أيضا بالإفلاس المالي بسبب عجز إيران عن مواصلة تمويلها، وخواء ميزانية الدولة العراقية من أي أموال فائضة عن الحاجة يمكن نهبها والاستيلاء عليها. بغداد- تُقبل الميليشيات الشيعية العراقية على مرحلة صعبة تختلف جذريا عن مرحلة ازدهارها السابقة عندما ظلّت لسنوات تقوم بدور وظيفي يتمثّل في حراسة النفوذ الإيراني في العراق، وتتلقّى مقابل ذلك دعما من طهران بالمال والسلاح، إضافة إلى الدعم السياسي الأهم الذي كان يتيح لقادتها تسيّد المشهد العراقي والوصول إلى المقدّرات المالية للبلد واستغلالها لتمويل ميليشياتهم. وبدأ هذا الوضع ينقلب في الفترة الحالية إلى نوع من اليتم ليس فقط لأن تلك الميليشيات فقدت قائدها الحقيقي وراعيها الأوّل الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني الذي أودت به ضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي في مطلع العام الجاري، بل لأنّ إيران نفسها تعيش بسبب العقوبات الأميركية الأشد من نوعها والمفروضة عليها، وأيضا بسبب جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط، وضعا بالغ التعقيد تقترب معه من الإفلاس والعجز عن توفير الحاجات الأساسية للسكان، فضلا عن مواصلة تمويل الميليشيات في العراق وغيره من البلدان العربية. ولا إمكانية للميليشيات الشيعية للتعويض عن خسارتها لقناة التمويل الإيرانية من الميزانية العراقية شبه الخاوية ومن العائدات الضئيلة للنفط التي لم تعد تكفي حتّى لتشغيل مؤسسات الدولة ودفع رواتب الموظّفين والمتقاعدين. وأظهر تقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس حجم المصاعب التي أصبحت تلك الميليشيات تواجهها بعد فترة الرخاء والازدهار والتغوّل. ويصف محرّرا التقرير قاسم عبدالزهرة وسامية كولاب مقدار خيبة تلك الميليشيات عندما كانت تتطلّع إلى تلقّي التمويل المعتاد من إيران لدى الزيارة الأولى التي قام بها القائد الجديد لفيلق القدس إلى بغداد، في وقت سابق من العام الجاري، فإذا به يفاجئها بإهدائها خواتم فضية جلبها معه من إيران. إسماعيل قاآني: منح الميليشيات خواتم من فضة فيما كانت تنتظر التمويل المعهود من إيران إسماعيل قاآني: منح الميليشيات خواتم من فضة فيما كانت تنتظر التمويل المعهود من إيران وفي مظهر على تراجع هيبة الميليشيات بتراجع هيبة إيران نفسها وارتخاء قبضتها على القرار العراقي الذي كانت في أوقات سابقة تتحكّم بأدق تفاصيله، يقول المحرّران إنّ قاآني اضطرّ خلال زيارته الثانية للعراق إلى التقدم بطلب للحصول على تأشيرة، وهو أمر لم يكن معتادا في زمن سليماني، وقد استجّد مع مجيء حكومة عراقية جديدة بقيادة مصطفى الكاظمي غير المحسوب على معسكر الموالاة لإيران الذي حكم العراق منذ حوالي سبع عشرة سنة. ويلفت التقرير إلى أنّه في غياب شخصيات مثل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس المسؤول البارز في الحشد الشعبي والذي قتل معه في الغارة الأميركية، ظهرت صعوبات في الحفاظ على وحدة الميليشيات وضمان انسجامها، وبدأت الانقسامات تدب فعلا في صفوف تلك الميليشيات التي كان سليماني يجمعها تحت مظلّة الحشد الشعبي. ويقول الباحث العراقي فنار حداد لأسوشيتد برس "مع رحيل المهندس غاب محور رئيسي كانت تدور حوله سياسة قوات الحشد الشعبي". وكانت مكانة سليماني قد تجاوزت لدى الفصائل الشيعية العراقية وسائر الميليشيات التي كان يشرف عليها في المنطقة العربية، المكانة المعهودة لقائد ميداني من حجمه إلى نوع من الأبوّة والهالة الأسطورية بالنظر إلى ما كان يحظى به من كاريزما وما يتمّع به من ثقة لدى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي ومن علاقات واسعة مع كبار المسؤولين في الدولة العراقية، بل من سلطة عليهم بالنظر إلى أن إيران هي في الغالب من ساعدهم على الوصول إلى مناصبهم القيادية تلك. وعلى العكس من قاآني الذي احتاج إلى تأشيرة لدخول العراق، فقد كان سليماني، بحسب التقرير ذاته، يأتي ويخرج من العراق بانتظام للتخطيط والوساطة وتقديم المساعدة النقدية. وقال مسؤولون إن إحدى زياراته المفاجئة كانت كافية للتوصل إلى اتفاق بين الفصائل المتنافسة. ومنذ وفاته، انتشرت الخلافات بين الفصائل الشيعية، التي تجادلت واختلفت حول مرشح رئيس الوزراء مرتين قبل أن تضطر في النهاية للقبول بمصطفى الكاظمي على الرغم من أنّ ميليشيا حزب الله شديدة الولاء لإيران، اتهمته بالتصريح لا بالتلميح بالمشاركة في قتل سليماني عندما كان الكاظمي رئيسا لجهاز المخابرات العراقية. وتحدّث ثلاثة مسؤولين عن مغزى هدية قاآني من الخواتم الفضية بدلا من الأموال النقدية، وقال هؤلاء إنّ المسؤول الإيراني ذكر لقادة في الحشد الشعبي خلال اجتماعه بهم في أفريل الماضي أنهم سيضطرون في الوقت الحالي إلى الاعتماد على تمويل الدولة العراقية، في إشارة إلى الأزمة الاقتصادية الإيرانية. لا إمكانية للميليشيات الشيعية للتعويض عن خسارتها لقناة التمويل الإيرانية من الميزانية العراقية شبه الخاوية ومن العائدات الضئيلة للنفط التي لم تعد تكفي حتّى لتشغيل مؤسسات الدولة وتظهر الأرقام أنّه تم في 2019 تخصيص ما قيمته مليَارَا دولار لتمويل الميليشيات، وذكر مسؤولان عراقيان مقربان من الميليشيات أن الفصائل الأصغر حجما تعتمد على وسائل أخرى غير رسمية للدخل وتتلقى تمويلات إضافية من إيران، تقدر 3 و9 ملايين دولار. وتشكلت قوات الحشد الشعبي في عام 2014 كإطار استوعب الآلاف من المتطوعين لمحاربة تنظيم داعش بعد فتوى أصدرها المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني، ومنذ ذلك الحين تعاظمت قوة الحشد العسكرية ومكانته السياسية. وتحت قيادة أبومهدي المهندس المدعوم بقوّة من إيران أصبح الحشد قناة تمارس طهران من خلالها تأثيرا أكبر على الحكومة العراقية. وفتح مقتل المهندس الباب أمام فصائل معارضة للنفوذ الإيراني، وخاصة تلك المرتبطة بالسيستاني، للانفصال عن قيادة الحشد الشعبي. وفي الآونة الأخيرة، قالت أربع ميليشيات مرتبطة بالسيستاني إنها ستتلقى أوامر مباشرة من رئيس الوزراء العراقي، متجاوزة قيادة الحشد الشعبي. وقال مسؤول كبير في كتائب حزب الله إن الخطوة أضعفت قوات الحشد الشعبي وشرعيتها بين الجمهور. وكان الانقسام واضحا عندما زار رئيس الوزراء العراقي مقر قيادة قوات الحشد الشعبي بعد أسابيع من توليه منصبه. فإلى يمينه جلست شخصيات تتمتع بعلاقات جيدة مع طهران، وإلى يساره جلست شخصيات موالية للسيستاني.

مشاركة :