معركة ليّ الذراع بين رؤوس السلطة في تونس مستمرة بعد اتفاق رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على عدم إشراك حزب قلب تونس ضمن التحالف الحاكم، في الوقت الذي تسعى فيه حركة النهضة الإسلامية إلى المراهنة عليه كحليف بارز في ائتلاف حكومي متوتر العلاقات، وهو ما يساهم في عزل النهضة ويفاقم أزمتها برلمانيا وحكوميا. تونس – يفاقم اتفاق قيس سعيّد وإلياس الفخفاخ باستبعاد حزب قلب تونس الذي يقوده رجل الأعمال نبيل القروي من المشاركة في الحكومة، مشاكل حركة النهضة في التحالف الحاكم، في ظل صراع تقوده الحركة مع شريكين رئيسيين في الحكومة، وهما حركة الشعب (قومي) وتحيا تونس الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد. وطلب قيس سعيّد من الفخفاخ في محادثات جرت بينهما، التمسك بعدم تشريك قلب تونس في الحكومة وعدم الاستجابة لطلب النهضة الذي ينص على ضرورة توسيع الائتلاف الحكومي وتشريك حزب قلب تونس في سياق حساباتها لإخراج حركة الشعب وتحيا تونس بعد وقوفهما وراء مساءلة رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في البرلمان. ودعا سعيّد الفخفاخ إلى المحافظة على نفس الثوابت التي تشكلت وفقها حكومته وهي عدم تشريك حزب تثار حوله شبهات فساد مالي، مؤكدا على ضرورة الامتناع على إجراء تحوير وزاري يتم بمقتضاه تعيين بعض الشخصيات المقترحة من حزب القروي على رأس بعض الوزارات. وعبر الفخفاخ لقيس سعيّد عن موقفه الثابت من مسألة عدم تشريك حزب قلب تونس وكذلك الحزب الدستوري الحر في الحكم، مشددا على تمسكه بضرورة مكافحة الفساد وعدم تعيين أي شخصية يشتبه في ارتباطها بملفات فساد. ومن شأن هذا القرار أن يضاعف الضغط على رئيس حركة النهضة والبرلمان، راشد الغنوشي الذي كثيرا ما سعى إلى ضم قلب تونس لتوسيع الحزام السياسي للحكومة وكسب حليف جديد. وأكد الأمين العام لحزب “تونس إلى الأمام” عبيد البريكي في تصريح خاص لـ”العرب”، “أن الأمور أصبحت معقدة في البرلمان والحكومة والمشهد ازداد سوءا، وهو ما سيجعل حركة النهضة تبحث عن حلفاء جدد، وربما ستعود إلى البحث حتى داخل التحالف الحكومي عن رفاق للتمركز من جديد كأحسن ما يكون”. عبيد البريكي: النهضة تبحث عن تموقع حكومي في وجه ضغوط سعيد والفخفاخ عبيد البريكي: النهضة تبحث عن تموقع حكومي في وجه ضغوط سعيد والفخفاخ وأضاف البريكي أن “رئيس الجمهورية يدفع في اتجاه تغيير جديد بعد تعطل القوانين، عن طريق المزيد من تعقيد المشهد، فهو يطرح انتخابات جديدة على قاعدة المجالسية والشعب يريد، فضلا عن الدعوة للتجمع يوم 14 يونيو ورفع حظر التجوال، وهي قرارات مدروسة للدفع نحو التغيير.” ويطرح العامل السياسي الجديد مدى قدرة الحركة الإسلامية على إعادة توزيع الأدوار والبحث عن “منقذ” بعد استبعاد قلب تونس وتوتر علاقتها بائتلاف الكرامة (القريب من النهضة) بعد جلسة سقوط لائحة اعتذار فرنسا من الشعب التونسي في ما يتعلق بالحقبة الاستعمارية، وهي لائحة أحبطتها النهضة. وفي وقت سابق رفض الفخفاخ إشراك قلب تونس ضمن حكومته وقال إن “حكومته ستتكون على أساس الأحزاب المساندة لسعيّد”، بينما خاض رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية. وتتعقد وضعية حركة النهضة أكثر فأكثر بعد وضع برلماني مأزوم يطالب فيه النواب بسحب الثقة من الغنوشي وتنحيه من رئاسة البرلمان، بالإضافة إلى تصدع العلاقات مع حزب حركة الشعب (حليف الحكم) واشتراط النهضة التخلي عنه، فضلا عن واقع نهضوي مأزوم داخليا ينادي أصحابه بتنحي الغنوشي عن رئاسة الحركة قبل المؤتمر الحادي عشر وهو ما يخلق عزلا لرئيس النهضة على جميع الواجهات. وفاقم تصويت حركة الشعب وتحيا تونس لصالح لائحة مساءلة بشأن أداء الغنوشي الدبلوماسي، ودفعه الموقف التونسي إلى لعبة الأقطاب، خلافاتهما مع النهضة، وسط تصريحات ومشاحنات من الطرفين وصلت حد اشتراط النهضة إقصاء حركة الشعب من الائتلاف الحاكم، وهو ما أثار حفيظة قياديي الشعب الذين قالوا إن وجودهم بالحكومة ليس هبة من النهضة ولا من غيرها، وأن وزنهم البرلماني منحهم هذا الحق. والأسبوع الماضي، نجحت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في توحيد شق كبير من القوى المدنية والسياسية المناوئة لتدخل الغنوشي في الملف الليبي ودعمه للمحور التركي القطري، وصوتت لفائدتها حركة الشعب وتحيا تونس (شركاء الحكم). وعمّق تصويت نواب الحركة ضد لائحة تطالب فرنسا بالاعتذار للتونسيين عن حقبة الاستعمار تقدم بها حليفها الإسلامي ائتلاف الكرامة إلى البرلمان، هوة الخلافات داخل الحركة الإسلامية، وخلّف استياء كبيرا صلب أنصارها وقواعدها. ويرى مراقبون أن الخطوة ستغذي مطالب تغيير القيادة داخل الحركة التي تستعد لعقد مؤتمرها الحادي عشر وسط تنامي المطالب بعزل رئيسها راشد الغنوشي. ومن شأنه أن يساهم رفض النهضة للائحة البرلمانية في تقلص أنصارها وتآكل خزانها الانتخابي لصالح ائتلاف الكرامة الذي أصبح في نظرهم ممثلا لقناعاتهم، وهو ما يهدد مستقبل الحركة التي تستند على قادة شعبية عريضة. وكان رئيس حركة النهضة راشد قد أكد في تصريح إعلامي أجراه مؤخرا، على ضرورة توسيع الائتلاف الحكومي وتشريك حزب قلب تونس في الحكومة. وتراهن الحركة الإسلامية (54 نائبا) على جبهة برلمانية واسعة تجمعها بكتلة حزب قلب تونس (28نائبا) وكتلة ائتلاف الكرامة الإسلامي (19 نائبا) لابتزاز حكومة إلياس الفخفاخ وفرض أجندتها على ائتلاف حكومي يسيطر عليه كل من حركة الشعب والتيار الديمقراطي. والأسبوع الماضي، امتنعت حركة النهضة عن التوقيع على وثيقة الاستقرار والتضامن التي عرضها الفخفاخ على مكونات الائتلاف الحكومي التي أدخلت عليها تعديلات، مبررة قرار امتناعها بضرورة تشريك حزب نبيل القروي في الحكم. ووثيقة التضامن والاستقرار هي بمثابة ميثاق سياسي وأخلاقي توقعه الأحزاب المشكلة للحكومة ويتضمن أبرز محاور برنامج الحكومة الحالية. للمزيد: الغنوشي يُرحل أزماته الداخلية إلى مُربع حكومة الفخفاخ ShareWhatsAppTwitterFacebook
مشاركة :