تفاجأت عذيجة الكثيري، وهي ربة بيت في مدينة العين، بأن فاتورة هاتف المنزل قد تجاوزت 3000 درهم، وأغلبها مكالمات صادرة للخارج، لا سيما مسقط رأس خادمتها الآسيوية!، وعلى الرغم من استياء الكثيري، إلا أنها قررت عدم مصارحة الخادمة بما اكتشفته.. ولا حتى لومها أو عتابها على ما فعلته، خاصة أن شهر رمضان المبارك أصبح قريباً جداً، وهي تعجز فعلياً عن إدارة شؤون بيتها ومطبخها.. لذا، آثرت تجاوز الموقف لحين الانتهاء من الشهر الفضيل والعيد.. وأسرت في نفسها بأنها ستواجه خادمتها بالمبلغ الذي أثر سلباً في ميزانية الأسرة، بل وستخصمه شهرياً من راتبها! نعم، تتحمل غالبية الأسر ما يبدر من خادماتهم من أمور كثيرة قد تزعجهم، ولكنهم يظلون صامتين، حذراً من إصرارها على عدم الرغبة في العمل، خاصة الأسر العاجزة عن استقطاب خادمة بديلة تقوم بمهام العمل المنزلي والطبخ.. وهناك من يقابل تصرفاتها السلبية بكلمة أو نصيحة طيبة، ضماناً لعدم التكرار. حالات ذلك الموقف لا يمثل حالة وضع السيدة الكثيري، بل إن علياء محمد، ربة بيت، لا تزال تبحث عن عاملة منزلية إضافية لمساعدة عاملتها، بهدف تقاسم العمل في شهر رمضان. وتوضح بأنها تبحث عن عاملة ذات مهارة عالية في أداء الأعمال المنزلية، إلى جانب تجهيز وإعداد المعجنات التي تتميز بها سفرة رمضان. ولم تنكر أن بحثها عن عاملة أخرى، جاء بناء على طلب خادمتها الأولى، التي أكدت عدم استطاعتها تنفيذ المهام المنزلية وحدها في شهر رمضان، أو أنها تُفضل العودة لبلدها! كما تجد مهرة المهيري، نفسها أمام ضغط عمل كبير في رمضان، إذ تقف مع خادمتها في المطبخ لعدة ساعات لإعداد ما لذ وطاب على المائدة الرمضانية، التي تحتاج إلى جهد مضاعف منها طوال الشهر الفضيل، فاقترحت على خادمتها أن تحمل العبء الأكبر من العمل، مقابل منحها ضعف راتبها في شهر رمضان فقط. وأكدت المهيري على أن حالها لا يختلف مطلقاً عن حال أخواتها وصديقاتها اللاتي يحتجن بشكل ماس للخادمة في شهر رمضان، بسبب الأعباء المتزايدة في تلك الفترة، وإعداد مائدة السحور والإفطار التي تتطلب إعداد أصناف متنوعة من الأطعمة، إضافة إلى استقبال الأهل والضيوف، وهذا في حد ذاته يحتاج إلى ولائم رمضانية، تتنوع فيها الأطباق الشهية. تهديد بترك العمل لم تعد الخادمة في حالة الطاعة السابقة، وإنما أصبحت تستغل أيام الشهر الفضيل، لتستولي على حقوق ليست لها، سواء التهديد بترك العمل، أو الإيذاء، ما يجعل العديد من الأُسَر تقف حائرة بين السكوت على هذه التجاوزات، أو إعادة الخادمة إلى بلدها.. أكدت على ذلك سكينة أحمد الحجي، موظفة.. وأضافت: هناك خادمات يخلقن المشاكل، ويحاولن بكل الطرق استفزاز ربة البيت، بهدف ترك العمل قبل شهر رمضان، ما يجعل العديد من السيدات يتحملن سوء تصرفات الخادمات خوفاً من تسربهن. ووافقتها الرأي نورة حميد آل علي، ربة بيت، قائلة: أتجاوز عما تفعله خادمتي منعاً لهروبها قبل رمضان، على الرغم من أني غير راضية تماماً إزاء تصرفها كما تشاء في شؤون المنزل، وذلك خوفاً من طلبها العودة إلى بلادها وتركها للعمل، ونحن في ظل قلة ونُدرة العمالة وإشكاليات الاستقدام المتعثرة، إضافة إلى قرب حلول شهر رمضان.. خاصة أن آل علي جربت الذهاب لأحد مكاتب استقطاب الخادمات، وتفاجأت من الارتفاع المتزايد على طلب الخادمات والمتخصصات في الطهي تحديداً خلال الأيام القليلة التي تسبق حلول شهر رمضان المبارك. وتفاجأت أكثر من ارتفاع أجور المتوفرات منهن، سعياً لاستغلال الحاجة لهن خلال الشهر الفضيل. التعاون مع الخادمة غالبية العاملات في المنازل يشتكين من الأعمال المرهقة التي لا تنتهي، فلا يتمكن من النوم جيداً، نظراً لأدائهن مهام البيت، وخدمة أفراد الأسرة، وخدمة ضيوفهم أيضاً.. أوضحت ذلك فاطمة المغني، خبيرة العلاقات والاستشارات الأسرية.. مضيفة: لن يعيب ربة البيت، ولن يقلل من قدرها، إن دخلت المطبخ وعاونت الخادمة على إعداد الأكلات المتنوعة على مائدة الإفطار، فالبيت في نهاية هو بيتها ومملكتها، وعليها أن توجه الخادمة نحو إعداد ما تستوجبه السفرة الرمضانية، وإضفاء لمساتها الخاصة، بعيداً عن الاعتماد الكلي على الخادمة. وأردفت المغني: توجه غالبية الأسر الخادمة نحو الإفراط في إعداد الطعام، وهذا في حد ذاته سيزيد من ساعات عملها، والأهم أن الفائض من الطعام سيرمى في القمامة.. مؤكدة على إصابة ربات البيوت اليوم بالكسل والخمول، نتيجة اعتمادهن على الخادمات، خاصة أنهن يفضلن الجلوس أمام التلفاز لمتابعة زخم المسلسلات المستمرة خلال شهر الفضيل. جهد مضاعف الإعلامية حليمة الملا، قالت: نعم، يكثر ضغط العمل على الخادمات في شهر رمضان، فهن مطالبات بإعداد وجبة الإفطار، إضافة إلى أطباق الحلويات والوجبات الخفيفة، كما يتم إعداد الطعام بكميات كبيرة، حتى تكفي زيارات الأهل والأصدقاء، وهذا بلا شك يشكل عبئاً وجهداً مضاعفاً عليها. وتتساءل الملا: ألا تتفهم ربة البيت بضرورة التعاطف مع الخادمة التي تحتاج إلى من يعينها، فإن لم ترغب في ذلك، فيتحتم عليها إن كانت ميسورة الظروف، أن تجلب خادمة أخرى تعاونها. مفاوضات الاستشارية الأسرية مريم الشحي، أكدت على وجود خادمات يفاوضن ربات البيوت في شهر رمضان، لرفع سقف الرواتب والاستفادة من هذه الفترة بزيادة الراتب. مُستنكرة الشحي في الوقت ذاته ما تفعله الخادمات، لا سيما أنهن أساساً في راحة ورفاهية تامة في بيوتنا.. كما تتوفر في مطابخنا جميع الأجهزة والأدوات التي تسهل عليهن إعداد الأصناف الرمضانية المختلفة. وفي النهاية، لا يعجبها العمل وتهرب، وهنا، يخسر رب الأسرة كل ما دفعه، لتبقى الخادمة هي المستفيدة، إلى جانب استفادة المكتب أيضاً. استغلال مكاتب الاستقطاب وزيادة الأجور إن الإقبال على مكاتب استقطاب الخادمات عموما يزيد بل ويشتعل قبيل رمضان بعدة أشهر. فغالبية الأسر تبحث عن الخادمات البارعات في الطبخ، وإعداد أصناف مختلفة ومتنوعة من الطعام، بل خبيرات في تفنن إعداد المائدة الرمضانية. وأشارت ليلى المطوع، مديرة مكتب استقطاب العاملات، بأن كثيرا ما يزرنها ربات البيوت في المكتب، ويطلبن منها خادمات يعرفن تماما الطبخ، وليس الطبخ العادي، وإنما إعداد الأكلات المحلية والخليجية وحتى العربية. كما أشارت إيناس قدسي إدارية في مكتب لاستقطاب الخدم، بأن شهر رمضان يعتبر فرصة وموسما لزيادة دخولهم وأرباحهم، لأنه الشهر الوحيد الذي تكتسب منه مكاتب استقطاب الأيدي العاملة ما يوازي أرباح ستة اشهر أخرى في غير هذا الشهر الفضيل. وأضافت: هناك الكثير من العائلات المقتدرة على زيادة عدد الخادمات في منازلهم مما تسبب في زيادة الأجور الشهرية للخادمات أيضا في شهر رمضان، لأنهن مُطالبات بتقديم الولائم المتنوعة والتي تختلف عن طبيعة الشهور الأخرى، وتلك الولائم تأخذ وقتا طويلا في إعدادها، وغالبية ربات البيوت يبحثن عن راحتهن، في مقابل تحمل الخادمة لضغط العمل اليومي. أزمة تتكرر أوضح سيف عبدالله، خبير تنمية بشرية، بوجود ربات بيوت يفضلن زيادة راتب الخادمة المنزلية إلى الضعف في رمضان بدلا من إضافة خادمة أخرى، إلى جانب إغرائها بهدايا أخرى لاسيما تقديم رصيد بقيمة عالية لهاتفها المتحرك. وأبدى استغرابه من تكرار هذه الأزمة في مواسم عدة ومنها شهر رمضان. لافتا إلى أن ارتفاع الطلب على العمالة المنزلية عائد بسبب البذخ والإسراف الذي يحصل في شهر رمضان، فكل أسرة تزيد عدد الخادمات إلى اثنتين وثلاث، والاستهلاك يجب أن يقل إلى الثلث، ولكن الحاصل أن الزيادة وصلت إلى أعلى سقف في الميزانية ومعه تضطر الأسرة إلى الاستدانة. ونوه من جانب آخر إلى أن العادات والتقاليد والإسراف وزيادة الأسر الجديدة يزيد من ارتفاع الطلب على الخادمات، خاصة .. وأن شابات اليوم يعتمدن على الخدم كثيرا ليتفرغن في المقابل في شهر رمضان للإفطار ومتابعة المسلسلات الرمضانية والزيارات بعد صلاة التراويح، والتي تتراوح بين زيارة الأهل والأقارب والصديقات، إلى جانب تركهن مهمة تربية الأبناء بأيادي الخادمات، وإدارة شؤون المنزل، وأصبح أبناؤنا يتشربون ثقافة الخدم. موسم استثنائي أوضح عبيد بن سليمان الجعيدي، مستشار في التنمية البشرية، بأنه ينبغي أن تدرك الخادمات أن شهر رمضان يعتبر موسما استثنائيا، وأن النشاط فيه يزيد عن أي شهر آخر، ولكن في المقابل ينبغي على ربات البيوت ألا يخرجن عن حدود الاتفاق المنصوص في عقد العمل الموقع بينهما وتحديدا فيما يخص ساعات العمل. وأضاف: إن رمضان هو شهر الرحمة، والأقربون أولى بالمعروف، وأهل الذمة قبل أهل الملة، والضيوف قبل أهل البيت، والخادمة ضيفة على البيت وهي قريبة بحكم السكن، لذا فالأصل أن تجد الخادمات رحمة أكبر من أهل البيت. نصائح قدم الجعيدي باقة من النصائح التي تخفف من عبء العمل على الخادمات في البيوت، وتتمثل في: ـ تقاسم أهل البيت حتى الأبناء المهام والمسؤوليات كون أنهم في إجازة صيفية. ـ اتفاق خاص بين ربة البيت وخادمتها على ساعات العمل والراحة في أيام رمضان. ـ إن كانت هناك ساعات عمل إضافية فالأصل أن يتم الاتفاق عليها ماديا بينهما. أو أن تكون المكافأة بمنح الخادمة تذكرة سفر لزيارة أهلها بعد شهر رمضان. د. محمد الزحيلي: حسن معاملة الخادمات واجب يشهد شهر رمضان الكريم فعاليات وأنشطة على كافة الأصعدة، وفي المنازل تجهز متطلبات الموائد العامرة لاستقبال الضيوف والأقارب والأحباء طيلة الشهر الكريم.. ولذا تتذمر غالبية الخادمات قبل حلول رمضان، أو نفاجأ بهروبهن للتخلص من أعباء العزائم المتكررة خلال الشهر الفضيل.. والتي تكون فوق طاقتهن في بعض الأحيان، فشهر الرحمة الذي شرعه الله للتراحم للأسف قد يكون شهر ظلم وقسوة للكثير منهن، الأمر الذي سيضع العديد من الأسر في مأزق حقيقي لاعتمادها بشكل أساسي على الخدم في البيوت. وفي هذا الإطار أكد د. محمد الزحيلي، أستاذ في كلية الفقه المقارن والدراسات العُليا في جامعات عديدة على ضرورة حسن معاملة الخادمات، فهذا حتماً من حسن أخلاق الإنسان في منظومة الأخلاق والقيم الإسلامية. فواجب المسلم كما علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بحسن التعامل مع الخادم.. وجعل ذلك علامة ودليلاً على حسن الخلق، ومن حسن التعامل مع الخادم والخادمة إعطاؤهما أجرهما حسبما تم الاتفاق عليه، فحرمانهما من الأجر المادي منكر عظيم حذرنا منه الإسلام. ناصحاً ربات البيوت بحسن معاملة خادماتهن سواء في شهر رمضان أو غيره من الشهور الأخرى. كما أن سوء المعاملة التي يتعرض لها بعض الخدم من جانب أفراد في المنزل، سيدفع الخادمة أحياناً إلى الانتقام من خلال ارتكاب جرائم ربما يكون بعضها خطيراً.
مشاركة :