إيران تحمّل الصواريخ العشوائية لميليشياتها رسائل تهديد لحكومة الكاظمي | | صحيفة العرب

  • 6/17/2020
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الميليشيات الشيعية العراقية التي لطالما عدّت بمثابة جيش رديف لإيران في الداخل العراقي، بدأت تفقد قيمتها كورقة مؤثّرة في واقع صراع النفوذ الذي تخوضه طهران في العراق، في مقابل تعاظم قيمة وتأثير الأوراق الاقتصادية والسياسية التي تمتلكها الولايات المتّحدة وبدأت بالفعل تستخدمها في عملية إعادة صياغة للعلاقة الاستراتيجية مع العراق بشكل يضمن مصالحها بشكل مستدام، فيما بدأ دور الميليشيات يقتصر على توجيه رسائل الضغط والتهديد للحكومة العراقية كي لا تذهب بعيدا في مسار فك الارتباط بدائرة التأثير الإيراني. بغداد - شهدت العاصمة العراقية بغداد، مجدّدا، عملية قصف صاروخي محدود وعشوائي لموقع محاذ لمطارها الدولي، وذلك في ظاهرة متكرّرة يرى متابعون للشأن العراقي أن الهدف منها توجيه رسائل سياسية وليس تحقيق هدف عسكري أو إحداث أثر أمني. وأعلنت قوات الأمن العراقية، الثلاثاء، عن سقوط ثلاثة صواريخ خلال الليل قرب مطار بغداد دون التسبب بأي أضرار مادية أو بشرية، وذلك في رابع هجوم من نوعه في غضون نحو أسبوع. وتنسب مثل تلك الهجمات إلى ميليشيات شيعية مرتبطة بإيران التي تخوض بشكل مستمرّ صراعا شرسا على النفوذ في العراق، اشتدّ خلال السنوات الأخيرة وأخذ شكل المواجهة العلنية مع الولايات المتّحدة التي وجّهت مطلع العام الجاري ضربة مؤلمة للوجود الإيراني على الأراضي العراقية بقتلها قائد فيلق القدس قاسم سليماني ومعاونه في العراق أبومهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي بضربة جوية قرب مطار بغداد، ردّت عليها إيران بشكل محدود من خلال قصفها بالصواريخ طويلة المدى قاعدةً داخل العراق تضم قوات أميركية لم يسقط أي قتيل في صفوفها جرّاء ذلك القصف. وعلى الرغم من امتلاك إيران لقوّة في الداخل العراقي مؤلّفة من عشرات الميليشيات الشيعية، إلّا أنّ استخدام تلك الميليشيات بشكل فاعل وعملي ضدّ القوات الأميركية الموجودة على الأراضي العراقية يبدو بلا أفق، ما يجعل دور تلك الميليشيات مقتصرا في الوقت الحالي على توجيه رسائل التهديد لواشنطن والضغط على الحكومة العراقية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي كي لا يذهب بعيدا في توطيد العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن التي شرعت بالفعل في إعادة صياغة تلك العلاقة من خلال حوار معمّق مع بغداد بدأ في الحادي عشر من الشهر الجاري. وتدرك إيران جيّدا أنّ الولايات المتّحدة لا تحاور العراق لتقليص علاقاتها معه والحدّ من حضورها السياسي وتأثيرها الأمني في ساحته، بل لأجل إيجاد صيغة أقل تكلفة للحفاظ على مصالحها بشكل مستدام. كما تدرك طهران تراجع تأثير الورقة الأمنية التي عملت على تقويتها من خلال إنشائها ما يشبه الجيش الرديف المكوّن من العشرات من الميليشيات، في مقابل تعاظم دور الورقة الاقتصادية والسياسية التي تمتلكها واشنطن في الوقت الحالي، فيما تفتقر إليها طهران بشكل كامل نظرا لأزمتها المالية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن شدّة العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتّحدة وزادها تعقيدا تراجع أسعار النفط وتعطّل دواليب الكثير من الأنشطة الاقتصادية بسبب جائحة كورونا. وزادت الأزمة المالية والاقتصادية الحادّة من حاجة العراق للمساعدات الخارجية للنجاة من حالة أقرب إلى الإفلاس والعجز عن دفع رواتب الموظّفين والمتقاعدين. وأكّدت واشنطن على لسان سفيرها في بغداد ماثيو تولر أنّ الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتّحدة والعراق لن يقتصر على الجانب الأمني بل سيكون شاملا للمجالات السياسية والاقتصادية وحتّى الحقوقية. تقليص عدد القوات الأميركية في العراق نقطة قوّة لمصلحة واشنطن تتيح لها الحفاظ على دورها بأقل التكاليف ولا تمتلك إيران شيئا تقدّمه لحكومة الكاظمي لإقناعه بعدم توطيد العلاقة مع الولايات المتّحدة، وتكتفي في مقابل ذلك باستخدام الميليشيات الشيعية للضغط عليه وتهديده، فيما الميليشيات بحدّ ذاتها تزداد ضعفا بسبب افتقادها لمصادر تمويل لم يعد بإمكانها الحصول عليها لا من موارد الدولة العراقية المتضائلة، ولا من إيران بحدّ ذاتها التي يخيّم عليها شبح الإفلاس. وأفاد، الثلاثاء، بيان للجيش العراقي بـ”سقوط ثلاثة صواريخ من نوع كاتيوشا، بعد منتصف ليلة الاثنين، في محيط مطار بغداد الدولي دون خسائر تذكر”. وأضاف أن تلك الصواريخ أطلقت من حي المكاسب بجنوب غرب بغداد واستخدمت الجهات التي نفذت الهجوم قواعد خشبية لإطلاقها عثرت عليها قوات الأمن كما عثرت على صواريخ لم تستخدم. وجاء هذا الهجوم بعد سلسلة حوادث مشابهة بما فيها هجوم صاروخي تمّ تنفيذه في 13 يونيو الجاري استهدف قاعدة شمال بغداد تتمركز فيها قوات تابعة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. وفي الثامن من الشهر نفسه ضرب صاروخان أراضي مجمّع مطار بغداد بينما سقط صاروخ غير موجّه قرب مقر السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء. ومنذ أواخر العام 2019، استهدف أكثر من 30 صاروخا منشآت عراقية تستضيف دبلوماسيين أو جنودا أجانب. وبلغ التوتر ذروته في يناير الماضي عندما قتلت الولايات المتحدة سليماني والمهندس. وكردّ سياسي على العملية، صوّت النواب الشيعة في البرلمان العراقي على إنهاء وجود القوات الأجنبية في البلاد بينما هددت واشنطن بفرض عقوبات مشددة على بغداد. وتباطأت وتيرة الهجمات الصاروخية بشكل كبير خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة لكنها تسارعت مجددا مع بدء الحوار الاستراتيجي الأميركي العراقي. ومن ضمن المواضيع الهامّة المطروحة في الحوار مستقبل الوجود العسكري الأميركي على الأراضي العراقية، حيث يشكّل إنهاء ذلك الوجود هدفا أسمى لإيران تعمل على تحقيقه باستخدام حلفائها العراقيين من سياسيين وقادة ميليشيات، لكنّ واشنطن تدفع بالواضح صوب الاقتصار على عملية خفض لعدد القوات، وهي عملية مفيدة للولايات المتّحدة التي لا تحتاج إلى قوّة كبيرة منتشرة على نطاق واسع على الأراضي العراقية ما سيجعلها صيدا سهلا للميليشيات. وفي مقابل ذلك سيكون الاقتصار على قوات نخبة موجودة في عدد محدود من القواعد عالية التحصين ومعتمدة بشكل أساسي على سلاح الطيران أمرا قليل التكلفة ومفيدا جدّا في مراقبة التحرّكات العسكرية بما في ذلك لحلفاء إيران ليس فقط في الداخل العراقي، بل أيضا على محور العراق سوريا لبنان حيث تمتلك الطائرات الأميركية أفضلية مطلقة وقدرة على الضرب في الوقت والمكان المناسبين، وهو ما حدث بالفعل في كثير من الأحيان عندما وجّهت تلك الطائرات ضربات مؤلمة للميليشيات الشيعية التي ظلّت عاجزة عن الردّ عليها. ShareWhatsAppTwitterFacebook

مشاركة :