فيما يشبه الغزل السياسي، والمصالحة الوطنية، أشاد الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بأحزاب المعارضة، واصفًا إيَّاها بطريقة غير معهودة بأنها تؤدّي دورها في كنف أخلاقيات الديمقراطية. ويضيف الرجل بمناسبة إحياء الذكرى الـ53 للاستقلال إنه "يتعين ترقية الدور المنوط بالتيارات المعارضة، في إطار نقاش ديمقراطي من أجل زرع الأمل، واستخلاص الدروس من التجارب التي مرّت بها الجزائر، ودفعت ثمنًا باهظًا جرّاء الخطابات الشعبوية، والدعاغوجية، والتطاول على القانون". ويمضي بوتفليقة قائلاً: "فلنستخلص العبر من تلك التجارب الوخيمة حتى تغذى تعدديتنا السياسية، والجمعوية، والنقابية، والتناظر النبيل حول برامج بديلة"! والحق أنني جهّزت نفسي للتعليق على أطروحات بوتفليقة التي جاءت بهذا الوضوح بعد 25 سنة من بداية الأزمة، قبل أن تقع عيني على تصريحات أكثر إثارة للدكتور حسن الترابي، يدعو فيها إلى نسيان الماضي، وتكوين كيان جديد يضم الإسلاميين مع الاشتراكيين، والناصريين، والبعثيين، والليبراليين، وسينسى الناس الأيام التي فتن بينهم الشيطان، وضرب بعضهم بعضًا، وسجن بعضهم بعضًا، وآذى بعضهم بعضًا! قالها الترابي كذلك بعد 25 سنة من الأزمة! والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا بمناسبة الأزمات المتعددة، ليس في الجزائر والسودان وحدهما، وإنما في تونس وليبيا ومصر بالترتيب الجغرافي هو: هل تحتاج كل دولة من هذه الدول إلى 25 سنة لكي تدرك أهمية السلام الاجتماعي، وقيم العدل والتسامح والديمقراطية؟! إن 25 سنة في عمر الشعوب تعني رحيل جيل أو جيلين، وظهور آخرين، ويقينًا لو أنهما -الجيلان الجديدان- سيأتيان خاليان من الأمراض، لقلنا لك حسنًا! لكن المشكلة أنهما سيأتيان حاملين لمعاني الكراهية للآخر، والثأر من الآخر والتلويح في كل مناسبة بذبح وحرق الآخر! الكارثة أن الشعوب لم تعد تتحمل إذكاء نار الفتنة، وبث روح العداء والكراهية لبعضهما، والانتقام من بعضها 25 سنة!! الكارثة الكبرى أن هناك مؤسسات لبث الكراهية، وأحزابًا لغرس قيم ومفاهيم العداء والاستعلاء والإقصاء! الفاجعة أن هناك صحفًا وبرامجَ وقنواتٍ تحذّر من المصالحة، وأخرى تهدد بالانسحاب في حال جمع الكلمة ولم الشمل! إن بقاء الحال على ما هو عليه الآن لمدة 25 سنة في أكثر من دولة عربية يعني أفغنتها أكثر، وصوملتها أكثر وأكثر! دعك من الادّعاءات الكاذبة، والشعارات الجوفاء التي تتحدّث عن وقوف الشعب كله وراء قادته في تلك الدول، فلو أنهم بالفعل على قلب رجل واحد لما صاروا إلى ما صاروا، ويصيرون إليه. دخان الحريق بات يزكم الأنوف، ومازال بيننا من يرفض، بل يلفظ المصالحة.. ليس بين كل دولة عربية وأخرى، وإنما بين كل مواطن وآخر في نفس الدولة.. ويسألونك عن تنظيم الدولة! ويسألونك عن تفشي "داعش"، ويسألونك عن جبروت إسرائيل.. قل لهم: اخجلوا! sherif.kandil@al-madina.com
مشاركة :