سويعات سعودية في ضبط إيقاع الأمة | شريف قنديل

  • 1/24/2015
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

أيها الشعب اطمئن.. إن "عبدالله" أعطى لـ"سلمان الوفاء" الحب وأزال الضغن.. أيها العالم اطمئن، إن "عبدالله" مات لكنه ترك "سلمان الحكمة" يُؤكِّد في العلن: (سنواصل وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا الوطن). هكذا.. وفي دقائق أو سويعات معدودة، ولأنه طوال سنيِّه مهندس البيت وعقله، فقد خرج على شعبه وأمته وعلى العالم أجمع ليعلن استكمال المسيرة في ظرف عربي وإسلامي وعالمي أقل ما يُقال عنه أنه "حرج ودقيق". إن ترتيب البيت السعودي بهذه السرعة والدقة، والحكمة والحنكة؛ لم يكن ترطيبًا أو تطمينًا لشعب وأمة، وإنما لعالم يموج من حولنا بصراعاتٍ ونزاعاتٍ هائلة. لقد بكى وتألّم كل البُكاة، لكنه عقب الصلاة كان يستشعر عظم المسؤولية العربية والإسلامية والدولية، وهو الذي كان مشاركًا فيها ومهمومًا بها.. ولأن ذلك كذلك، ولأنها سنة الحياة، وصنائع الأيام، كان لابد أن ينهض سلمان متقدمًا إلى الأمام، وململمًا ومحافظًا على أركان بنيانٍ ما أجمله وأقواه، وأحكمه من بنيان. لقد استدعى الملك سلمان على الفور كل ما تعلّمه في المدارس -مدارس الأمراء العظام- حتى لا يترك الوطن كله يتبادل أو يمارس مرارة الشك وسكوت المتخارس. نهض الفارس بعد أن بكى ودمعت عيناه ونعى مواسيًا نفسه وشعبه، مهدهدًا أمته.. لا خوف ولا حزن ولا أذى.. الأمة لن تغرق أبدًا في مستنقع الفوضى وأتون الأذى. لقد مات عبدالله، الذي سيظل ضيفًا محبوبًا على مائدة الشعراء، وظلًا ممدودًا على بيوت اليتامى والفقراء، لكنه ترك سلمان الحكمة، الذي سأل الله الصبر والأجر، متعهدًا أمامه بحمل الأمانة العظمى، ومختتمًا حديثه الأول بالتأكيد على أن أمتنا أحوج ما تكون لوحدتها وتضامنها. إنها الأمة التي عرفت سلمان مناصرًا للحق في البوسنة والهرسك، فأطلقت اسمه على ميادين سراييفو وشوارعها، وداعمًا للحق في فلسطين، فأهدته مفاتيحها ونجمة قدسها، ومساندًا لمصر وشعبها في كل المحن، وللجزائر وشعبها منذ العام 1956م، ولأسر شهداء الأردن منذ العام 1967م، وسوريا في عام 1973م. لقد ترأس الملك سلمان عندما كان وليًا للعهد كل اللجان الشعبية الداعمة لشعوب الأمتين العربية والإسلامية، سواء عقب الحروب أو عقب الزلازل والبراكين، أو عقب الغزوات والنكبات، وما أكثر جراح الأمة التي رطّبها سلمان. أريد أن أقول: إن الأوسمة والنياشين التي حصل عليها الملك سلمان، تتجاوز الشكل الجميل إلى المضمون النبيل.. من هنا يأتي عظم المسؤولية والأمانة التي حملها تجاه شعبه وأمته، وتجاه العالم كله. إن نظرة واحدة على الحدود السعودية أو المصرية، أو العراقية أو السورية أو الأردنية، أو قل الليبية والسودانية، لتؤكد أن الدقائق أو السويعات التي استغرقتها عملية ترتيب البيت السعودي بعد رحيل خادم الحرمين الشريفين حبيب الأمة، تجاوز إيقاعها السريع والدقيق أنحاء المملكة شبه القارة مترامية الأطراف إلى حدود الأمة العربية، ثم إلى رحاب الأمة الإسلامية، ثم إلى آفاق العالم كله. ولأن ذلك كذلك، لم يتأخر الترتيب ولم تتأخر الجنازة، ولم تتأخر صلاة الغائب في أنحاء العالم كله. أخيرًا.. لقد جمعت جنازة وعزاء رائد الإصلاح والمصالحة العربية، والصلاة على جثمانه الرئيس المصري والرئيس التركي والرئيس السوداني والأمير القطري والعاهل الأردني.. لقد جمع الراحل الكبير كل المختلفين الذين أفنى عمره في محاولة جمعهم وجمع كلمتهم قبل أن يموت، تاركًا سلمان الحكمة يؤكد منذ أول لحظة أن مهمته الكبرى ومسؤوليته العظمى إنما تشمل وحدة الصف وجمع الكلمة. إن أمتنا الآن أحوج ما تكون لوحدتها وتضامنها.. وأنت لها سلمان.. أنت لها سلمان. sherif.kandil@al-madina.com

مشاركة :