أغاريد.. نبض الغرفة التجارية | د. عائشة عباس نتو

  • 11/7/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

هذا المساء أشعر بشيء ما في داخلي.. هذا الشيء يرتبط "بأغاريد بالخيور" التي تعمل في مركز المسؤولية الاجتماعية التابع للغرفة التجارية الصناعية بجدة منذ سنوات، تلك الفتاة النحيلة التي طالما استعانت بالكرسي المتحرك ليحملها إلى الدور السابع، لتشارك من هناك بمصاريف أسرتها. لا أحد يعرف كيف يداوي جروح الصباح عند الناس مثل أغاريد، وكذلك الرد على الخطابات والمراسلات التي تكتبها بأصابعها الصغيرة في الأعمال الاجتماعية والخيرية. أغمضتُ عيني لثوانٍ أستعيد صوت أناملها وهي تشغّل جهاز الحاسوب، وتنقر الأحرف، ثم تعيد طباعة الخطابات. وكيف يسعني ألا أتذكرها، صوتها خدر جميل يذوب في أعصابي، ومراسلاتها تملأ صندوق تواصلي. أستعرض أيامًا مرّت معها خطفًا، كالمناظر التي تمر أمام عينيي مسافر في قطار سريع، وأبكي بحرقة لجسدها الممدد على السرير الأبيض. تدمع عيناي خلف نظارتي، فذهنها الذي انقطع عنه الأكسجين أضفى على حديقة حياتنا قتامة وسوادًا.. كيف توقّف الجهاز الذي يُنظِّم قلب أغاريد؟ قليلون هم الذين يضربون مواعيد مع أجهزة قلوبهم! أسير إلى سريرها الأبيض مهزومة، أتألم على طريقتي دون أن يحس بي أحد. أجرجر قدمي.. أضع ذراعيَّ حول سريرها. تنتشر الغصة في حلقي، وتتسرب الدموع من وراء قوتي وإيماني بالقضاء والقدر. صمت غرفة المستشفى يفتتني ويزلزل أعصابي.! كنت أكره الحزن يا أغاريد، ولكن إرادتك القوية جعلتكِ لا تستسلمين لهذا الشلل الذي أصابك، ويبدو أنها وصلت إلى نهايتها! كم افتقدت الحديث إليك عن قرب، استعيد عباراتك ونبرات صوتك الذي لا ينسى.. أدعو لك وحزن كبير ينخر قلبي. هل تذكرين كيف احتفلنا في مركز المسؤولية الاجتماعية بحصولك على الثانوية العامة؟! أتوقف على باب مكتبك أتأمّل الجدران والأرض والنوافذ والأبواب. لم تتغير كثيرًا لكن غيابك عنّا غيّر كل شيء، فكل شبر في الغرفة التجارية بجدة يثير عنك شيئًا دفينًا في النفس، ويترك في الحلق طعم الرماد. مكتبك تحوّل إلى مكان عديم الجدوى، يتقاطع فيه ضوء الماضي بظلام الحاضر. يقولون يا أغاريد: إن أقسى شيء على الإنسان هو أن ينتظر غائبًا ليفيق من غيبوبته. لقد صرتُ هذا الإنسان يا أغاريد، فوجهك لم يكن يغادر دورتي الدموية وجهاز منظم قلبك المتذبذب أحال ليلي إلى نهار. ستظلين في وجداننا يا أغاريد ما حيينا.. سيظل مكتبك هو مكتبك حتى تعودين.. وسيبقى زمانك أجمل أوقات العمر. A.natto@myi2i.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (77) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :