الاقتراض من أخلاق القاضي ابن عياض | أحمد عبد الرحمن العرفج

  • 7/9/2015
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

هَا هو رمضَان يُلملم خيُوطه للرَّحيل، ومَازَال القَلب قَاسيًا، وأنَا أَتأمَّل التَّوبَة كُلّ يَوم، وأرجوهَا في كُلِّ رَمضان، ولَكن القَلب يَحنُّ إلَى القسوَة، ويَتمسَّك بِهَا، ليَنطبق عَليَّ ذَلك البَيت الشِّعري لأَحَد أجدَادي، حِين قَال: أُسَوِّفُ تَوْبَتِي خَمْسِينَ عَامًا وَظَنِّي أَنَّ مِثْلِي لاَ يَتُوبُ أَغلَب أصحَابي يَقولون: «يَا أحمد أظنّك تُشبه القَاضي «الفضيل بن عياض»، الذي كَان مُسرفًا عَلى نَفسه، ثُمَّ تَاب تَوبةً نَصوحة».. حِين سَمعتُ هَذه المَقولة ذَهبتُ لأقرَأ سِيرة هَذا «الفضيل»، الذي أتمنَّى أنْ أقتدَي بِه..! يَقول الإمَام الذَّهبي في كِتَابه «سِيَر أعلام النبلاء»: (كَان «الفضيل بن عياض» شَاطرًا -أي لِصًّا- يَقطع الطَّريق بَين أبِيوَرْد وسَرخس، وكَان سَبَب تَوبته أنَّه عَشق جَارية، فبينمَا هو يَرتقي الجُدرَان إليهَا، إذ سَمع تَاليًا يَتلو: «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لذِكر الله»، فلَمَّا سَمعها، قَال: «بَلَى يَا رَب، قَد آن»، فرَجع، فآواه اللَّيل إلَى خَرِبة، فإذَا فِيها سَابلة، فقَال بَعضهم: نَرحل، وقَال بَعضهم: حتَّى نُصبح فإنَّ «فضيلا» عَلى الطَّريق يَقطع عَلينا. قَال «ففكَّرت، وقُلت: أنَا أسعَى باللَّيل في المَعَاصي، وقَوم مِن المُسلمين هَا هُنَا، يَخافوني، ومَا أَرَى الله سَاقني إليهم إلَّا لأرتَدع، اللَّهم إنِّي قَد تُبتُ إليك، وجَعلتُ تَوبتي مُجاورة البَيت الحرَام»)..! لقد انقَطَع «الفضيل بن عياض» عَن الدُّنيا، وزَهد بِهَا، حتَّى قَال «محمد بن عبدالله الأنباري»: (سَمعتُ «فضيلا» يَقول: لَمَّا قَدِم هَارون الرَّشيد إلَى مَكَّة، قَعد في الحِجْر هو ووَلده، وقَوم مِن الهَاشميين، وأحضَروا المَشَايخ، فبَعثوا إليَّ فأردتُ أنْ لا أَذهَب، فاستَشرتُ جَاري، فقَال: اذهب لعلَّه يُريد أنْ تَعظه، فدَخلتُ المَسجد، فلَمَّا صِرتُ إلَى الحِجْر، قُلت لأدنَاهم: أيُّكم أمير المُؤمنين؟ فأشَار إليهِ، فقُلت: السَّلام عَليك يَا أمير المُؤمنين ورَحمة الله وبَركاته، فرَد عَليَّ، وقَال: اقعد، ثُمَّ قَال: إنَّما دَعوناك لتُحدِّثنا بشَيء، وتَعظنا، فأقبَلت عَليه، فقُلت: يَا حَسَن الوَجه، حِسَاب الخَلق كُلّهم عَليك. فجَعل يَبكي ويَشهق، فرَددتُ عَليه، وهو يَبكي، حتَّى جَاء الخَادِم، فحَملوني وأخرَجوني، وقَال: اذهب بسلَام)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنْ نُؤكِّد أنَّ زُهد العَالِم «الفضيل بن عياض»؛ وانقطَاعه للعِلْم لَم يَكن كَافيًا، بَل عَاتبه المجَاهد «عبدالله بن المبارك» عَلى تَفرُّغه للعِبَادة، وانقطَاعه عَن الجِهَاد، حَيثُ رَوَى «الحافظ بن عساكر»؛ أنَّ «عبداللّه بن المبارك» أَنشَد شِعرًا في «الفضيل بن عياض»، ومِن بَعض مَا قَاله: مَنْ كَانَ يُخضبُ خَدَّهُ بِدُمُوعِهِ فَنُحُورُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ أَوْ كَانَ يُتْعِبُ خَيْلَهُ فِي بَاطِلٍ فَخُيُولُنَا يَوْمَ الصَّبِيحَةِ تَتْعَبُ T: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com

مشاركة :