هل تعلم عزيزي القارئ أنّ التهرب من المناسبات الاجتماعية لا يكون سببه الانطواء كما يعتقد البعض.. بل غالباً ما يكون سببه عدم احتمال المشاعر الزائفة التي يتظاهر بها أغلب المتواجدين هناك.. فنسبة من الأشخاص الذين يمتنعون عن الحضور لايحبون ممارسة النفاق فقط لا غير..! ما سبق دراسة أجريت على بعض الأشخاص الذين لايحضرون المناسبات الاجتماعية إلا في أضيق الحدود وليس بينهم وبينها علاقة حميمة.. دون أن يرتبط ذلك بالوقت أو السيد المكان وإن تغير.. لأنه في النهاية يظل خطاً ثابتاً ولكنه وهمي كخط الاستواء أقصد المكان.. ولكن الأشخاص الذين يتناوبون على حضورالمناسبات متغيرون.. فأنت قد تجد هنا وجوهاً وهناك وجوهاً أخرى ومع ذلك ستجد لها نفس السلوك ونفس التصرفات ونفس الأحاديث.. ولو حاولت أن تجد رابطا ما أو علاقة تجمع هؤلاء الأشخاص ببعضهم.. ستكتشف أنهم لايلتقون في علاقة ما ولايعرفون بعضهم وإن عرفوا بعضهم أحياناً بمعنى أنك قد تجد أشخاصاً في مكان ما ومن ثم تجد آخرين في مكان آخر وتكتشف أنهم على معرفة ببعض وتجمعهم نفس السلوكيات.. ولكن تجمعهم أيضاً نفس السلوكيات رغم عدم معرفتهم لبعض..! في مثل هذه المناسبات إذا كنت من هواة التأمل فستجد أنّ زيدا يشبه عبيدا.. وليلى تشبه حنان.. ليس في الشكل ولكن في السلوك المتكلف.. وفي ذلك الرسم الذي يتميز به الحديث المطروح رغم عاديته ورغم أنه لايحتاج إلى تنميق.. وستجد نفسك متململا ً.. متفرغاً من بساطتك وهدوء لحظتك المعتادة وستسأل مستغرباً :لماذا جئتُ إلى هنا؟ المشكلة أنك جئت مدعواً وكان عليك أن تحضر ربما مضطراً لقرب من دعاك منك.. وخجلك منه إن اعتذرت.. ولكن يحتويك شعور محبط وإحساس قاتم مغلف بالكآبة.. والملل من تكرار الصورة..! على الجانب الآخر أو في نفس سياق الصورة أو على أطرافها تشكّل مناسبات الأفراح عبئاً ثقيلاً على من لايحب حضور المناسبات ولكن يجد نفسه أحياناً مجبراً على الحضور كمناسبة لصديقة أو أحد أفراد العائلة أو الأقارب المقربين.. ومع ذلك ليست القضية في الحضور ساعة المناسبة ولكن التهيؤ لها نفسياً والاستعداد لما سيكون من ملابسات المناسبة.. التي تدخلها محدداً متى ستنصرف والهدف من حضورك وهو المجاملة وتلبية الدعوة.. وأنت تأخذ مكانك تبدأ في تأمل هذه الوجوه التي حضرت بسعادة طاغية ومن أول السطر لنهايته ترقص وتتابع وتطلب الأغاني بمتعة شديدة.. منذ عامين تقريباً اضطررت لحضور مناسبة وحضرت كعادتي متأخرة ومهيأة للمغادرة.. حضرت لأوجب وأجامل الصديقة.. وتصادف جلوسي بجانب معارف وزميلات سابقات.. لفتتني سعادتهن والمرح الذي كن فيه.. فقلت في داخلي الله يسعدهن.. ولكن أنا لم أكن سعيدة.. الزميلة التي بجانبي وشوشتني، وهي تبتسم.. أكيد أنت مش مبسوطة ؟ لم أستطع الإجابة لأنها لن تسمعني.. وكيف أكون مبسوطة وصوت الغناء عال جداً، ويسبب التوتر والضجيج تشعر أنه يخترق رأسك ويؤلم أعصابك.. صمتت المطربة قليلا ًوقبل أن نتحدث عاودت.. والحاضرات تزداد سعادتهن لأن المطربة مسلطنة وتؤدي بإخلاص وتسعد أهل الفرح.. ساعة ونصف كانت كافية لحضوري كما اعتدت وايضاً انصرافي بعد تأدية الواجب.. وإحساسي أنني أدور حول نفسي من ارتفاع الأصوات المزعجة وجهلي التام لما يجري ولما تشعربه الحاضرات من متعة.. وسعادة.. ليس المكان مكاني ولا الأرض أرضي.. تأكد ذلك ومن بجانبي تسألني.. عجبك صوت فلانة؟مين فلانة ؟المطربة كارثة لو ما تعرفينها.. أجبتها أبداً ما أعرفها ولا أعرف أحدا من المطربات وإن حضرت فرحا او مناسبة لا أعرف أبداً من تغني لأنه ليس من اهتمامي.. وهي تسألني تذكرت صديقتي الحميمة التي تعشق المناسبات وعندما يصدف كل سنة مرة أن أتهيأ لفرح تسألني: مين مطربتهم؟ وقبل ان أجيب تردف بسؤال آخر.. كعادتك لاتسألين عن المطربة المفروض تعرفين مادمتِ رايحة.. تتكرر إجابتي أنا رايحة للواجب وليس للمطربة.. طيب اسألي عن اسمها.. الغريب أنني أحضر وأغادر دون معرفة اسمها.. لست متعجلة في المغادرة فقط لأنني كثيرة الملل ولكن لأنه لاحياة لي داخل هذه اللحظات الحياتية الصاخبة والمتكلفة والمتملقة.. والتي لا أجد نفسي فيها.. ولا أنتسب لتفاصيلها إلا بضرورة الواجب.. ومتعة مراقبة هؤلاء الذين ثمة شيء مفقود لديهم هناك ويجدونه في ضجيج المناسبات وانغماسهم في مهماتها المكررة والتي تتحرك في مدى حولها وتحوله إلى زاوية مكتوبة بخط واحد يبدو وكأنّ التاريخ توقف على أبوابه.. نفس الوجوه تجدها في المناسبات ونفس الملامح وإن تغيرت الأشخاص ونفس السلوكيات والرغبة في ممارسة حياة اختيارية لهم أما بالنسبة لك فهي لحظات تحذفها من الذاكرة وتوسع البحث عن مفردات تنحيها كل مرّة لتكون نهاية الواجب.. وليس استمراريته..! قد نلتقي مع آخرين في نفس المكان ونرى نفس الأشياء القريبة ولكن ضبط الصورة ورؤية الملامح البعيدة بوضوح.. وهي اللحظة التي تخص كلا منّا تحتاج إلى نسف جسر هذا البقاء الطويل في نفس المكان.. وتجاوز حالة الإزعاج والضجيج المميت.. وهذه الضوضاء القاتلة..!
مشاركة :